عمرانيات

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني بالبحث والترجمة الزائر الكريم: تفضل بزيارة مدونتي الأخرى Mnzoor.blogspot.com Alkasd.blogspot.com

الأربعاء، مايو ٢٦، ٢٠١٠

سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا

  • Alkasd my other blog
  • مقدمة:
    "مصر هبة النيل" إذا كان هيرودوت قد أطلق هذه المقولة منذ آلاف السنين فإنها لم يبد صدقها على مدار هذه السنين مثلما يبدو الآن، وليس أدل على ذلك من تسارع وتيرة عمل الدبلوماسية المصرية لتعزيز العلاقات بين مصر وإثيوبيا على أعلى المستويات، فمثلا قام رئيس مجلس الوزراء المصري أحمد نظيف يصحبه وفد وزاري بزيارة إثيوبيا فى 30 / 12 / 2009، وقد تناولت الزيارة دعم العديد من مجالات التعاون بين البلدين مثل عملية الاستثمار والتجارة بين مصر وإثيوبيا من خلال تجديد بعض الاتفاقيات مثل اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، أو من خلال اتفاقيات جديدة مثل اتفاقية منع الازدواج الضريبي وبعض الاتفاقيات الخاصة بإزالة عوائق التجارة بين البلدين كما تم الإعلان عن تأسيس مجلس أعمال مشترك بين البلدين بعد الاتفاق الذي وقعه عن مصر المهندس حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال وعن إثيوبيا رئيس غرفة التجارة الأثيوبية، واصطحب الوفد الرسمي وفدا يضم عددا كبيرا من رجال الأعمال المصريين ويضم أكثر من‏77‏ شركة مصرية تستهدف التعرف علي السوق الإثيوبية وزيادة الاستثمار فيها.‏
    وتأتي هذه الزيارة في إطار الجهود المصرية المتسارعة للتوصل لاتفاق إطاري لكل دول حوض النيل لتنظيم استخدامه قبل انتهاء مهلة الستة أشهر بحلول يناير 2010، وهي المهلة التي جرى تحديدها في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول حوض النيل بالإسكندرية في يوليو 2009)وكانت قد صدرت في بداية جلسات هذا الاجتماع تحذيرات باستبعاد دول المصب (مصر والسودان) من توقيع الاتفاق إذا لم التوصل لاتفاق معها وبالفعل تم الاتفاق على عقد مفاوضات تالية في فبراير2010 بين دول حوض النيل .
    فبيت القصيد في هذه الزيارة عبرت عنه تصريحات رئيس الوزراء المصري من أن ما جرى من مباحثات فى إثيوبيا يعد بداية حقيقية لمبادرة التنمية فى حوض النيل؛ حيث هدفت جهود تطوير العلاقات المشتركة إلى عدم اقتصار الجهود المشتركة علي تنمية موارد المياه فقط بين دول حوض النيل، ولكن رفع مستوي المعيشة لجميع دول الحوض بما يكشف أن مياه النيل تظل من أهم العوامل التي تشكل سياسة مصر الخارجية تجاه إثيوبيا إن لم تكن أهمها على الإطلاق.
    فقد أصبحت إدارة الموارد الاستراتيجية الدولية أهمية خاصة في العقد الأخير، وعلى رأس هذه الموارد الأنهار الدولية، ومكمن الخطورة أن إدارة الأنهار الدولية لا تمس فقط الجوانب الاقتصادية، ولكنها تمتد بالضرورة إلى السيادة الوطنية للدول المشتركة في النهر وعليه يسعى هذا التقرير لاستكشاف أبعاد تطورات سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا ضمن النظام المائي لدول حوض النيل كأحد الأنظمة الدولية International Regimes انطلاقاً من مقولة أن القيود التي ترد على سعي مصر للقيام بدور القوة المهيمنة الخيرةHegemonic power Benevolent لإقرار هذا النظام جعلت سياسة مصر الخارجية تجاه إثيوبيا تصطبغ بطابع التعاون والمشاركة مع استمرار رواسب التنافس الباقية من فترات ماضية.
    محددات سياسة مصرية المائية تجاه إثيوبيا
    أسبغ الارتباط العضوي بمياه النيل والبحر الأحمر نوعاً من الخصوصية على العلاقات بين مصر وإثيوبيا بما جعل للسياسة المصرية تجاه إثيوبيا طابعها الخاص الذي اتسم بالثبات النسبي مع التغير وفقاً لتغير الأوضاع الدولية والإقليمية والأوضاع الداخلية في كلا البلدين.
    ويُعد نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه في مصر حيث تبلغ حصة مصر من مياهه 55.5 مليار متر مكعب تمثل 79.3 % من الموارد المائية وتغطى 95 % من الاحتياجات المائية الراهنة يمثل الاستخدام الزراعي للمياه الجزء الأكبر للاستخدامات حيث يبلغ نحو 59.3 مليار متر مكعب بنسبة 85.6 % من إجمالي الاستخدامات عام 2006 / 2007. وقُدر احتياج القطاع الصناعي من المياه بنحو 7.8 مليار متر مكعب، يُستهلك منها فعلياً نحو 1.15 مليار متر مكعب عام 2006 / 2007 والباقي يعود إلى النيل والترع والمصارف بحالة ملوثة.
    وتعد الهضبة الإثيوبية أهم منابع النيل على الإطلاق حيث تمد النيل بحوالي 71 مليار متر مكعب وتتجمع مياهها من عدة أنهار هي:
    نهر السوباط الذي يلتقي بالنيل الأبيض عند مدينة ملكال جنوب السودان، وإيراده السنوي عند أسوان 11 مليار متر مكعب ومن فروعه الرئيسية نهر "البارو" ونهر "البيور".
    النيل الأزرق، ويمتد من منابعه في الهضبة الإثيوبية حتى التقائه بالنيل الأبيض مسافة تصل على 1520 كم ويستقي هذا النهر مياهه من عدد من الأنهار والنهيرات الصغيرة المتخللة سفوح الجبال ووديانها، وأهمها نهر "الدندر" ونهر الدهر لكن المنبع الرئيسي له هو بحيرة تانا أكبر بحيرات الهضبة الاستوائية، وتمد الهضبة الاستوائية نهر النيل الأبيض بحوالي 14 مليار م3 من المياه سنويا.
    نهر عطبرة، وينبع من من المرتفعات الإثيوبية بالقرب من جوندر شمال بحيرة تانا، ويبلغ معدل تصريفه السنوي حوالي 12 مليار م 3، ولذلك يطلق على الهضبة الاستوائية الخزان الكبير أو خزان المياه، برغم تذبذب كمية المياه التي تشارك بها في مياه النيل
    ومن الجدير بالذكر أن مساهمة النيل الأزرق تساوي ضعف مساهمة النيل الأبيض في مياه نهر النيل، وتصبح ساهمة النيل الأزرق 90% والنيل الأبيض 5% عند الذروة، في حين تصبح 70% للأول و30% للثاني عند الحالات الدنيا
    وإثيوبيا وحدها – خلافا لبقية دول أعالي النيل التي لا تستخدم مياه النيل في الري- هي التي لديها وتخطط لمشروعات تعتمد على مياه النيل مثل مشروع زراعة حوض نهر "البارو" وزراعة حوض نهر النيل الأزرق التي تستلزم استخدام 4 بليون متر مكعب من المياه. ومن هنا خطورة العلاقات المصرية الأثيوبية وسياسة مصر تجاه إثيوبيا حيث أن 60% على الأقل من مياه النيل التي تستخدم في الري قادمة من أثيوبيا. ومن وجهة نظر هندسية بحتة تستطيع إثيوبيا التأثير على مياه النيل الوارد إلى مصر عن طريق أنهار "الدندر" و"الرهد" و"ستيت"، وإن كان ذلك لا يمكن أن يتم إلا بنفقات باهظة. ومن ناحية أخرى فإن أمثل المشروعات تحقيقا لاستفادة مصر من استخدام مياه النيل هو بناء سد وخزان في " جامبيلا " في أثيوبيا
    وعلى الرغم من وجود خمسة اتفاقيات تنظم العلاقة بين مصر وإثيوبيا في ما يتصل بالنيل هي: بروتوكول روما الموقع في 15 إبريل 1891 بين كل من بريطانيا وإيطاليا ـ التي كانت تحتل إريتريا في ذلك الوقت ــ و اتفاقية أديس أبابا الموقعة في 15 مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، و اتفاقية لندن الموقعة في 13 ديسمبر 1906 بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتفاق التعاون الذي تم توقيعه في القاهرة في الأول من يوليو 1993 بين كل من الرئيس المصري حسنى مبارك ورئيس الوزراء الأثيوبي ــ آنذاك ــ ميليس زيناوي، على الرغم من ذلك فإن إثيوبيا كانت من أوائل دول حوض النيل التي طالبت بإعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل بوصفها اتفاقيات سابقة وقعتها نيابة عنها الدول الاستعمارية ومن ثم فإنها تنتقص من سيادتها وعبرت إثيوبيا عن هذه الرؤية صراحة على لسان مدير عام هيئة تنمية الوديان في إثيوبيا ومندوبها في مؤتمر لندن بشأن مياه النيل المنعقد يومي 2-3 مايو 1990 وحتى اتفاق 1993 علقت إثيوبيا مباحثات تنفيذه بعد جولتين متذرعة بأن مصر غير جادة في التوصل لاتفاق.
    وواقع الأمر انه كما قرر أحد الباحثين الأثيوبيين فإن "هناك شكوكاً راسخة بين العديد من الدول المشاطئة للنيل ومن الصعب محوها بجرة قلم" تعود هذه الشكوك في قدر كبير منها إلى ميراث الخبرة التاريخية التي امتزجت فيها سنوات العداء بفترات الصداقة والتعاون. فحديثا اهتمت القوى الأوربية بفكرة الضغط على مصر من خلال مياه النيل فكان الغرض إنشاء قوة مسيحية كبرى في إثيوبيا تواجه القوة الكبرى الإسلامية في مصر، وبهذا أصبح هناك تراث فكري وديني وثقافي يجعل من إثيوبيا مصدرا دائما لتهديد مصر عن طريق مياه النيل، ورسخت هذه الفكرة في رأس الأثيوبيين والمصريين، وانعكست بعد ذلك في سياسة كل من الطرفين تجاه الآخر، وما زالت هذه الفكرة مستمرة
    وامتدادا لهذا الاتجاه يرى "جول بيترز" أن إسرائيل تؤمن بخط استراتيجي ثابت يرتكز على "مبدأ المحيط" والذي يسعى لبناء تحالف غير رسمي مع الدول الموجودة على هامش الشرق الأوسط - ومن بينها إثيوبيا- انطلاقا من كونها دولا غير عربية لها تاريخ من العلاقات العدائية مع العالم العربي، وتعمل على إضعاف شوكة العالم العربي
    وفي هذا السياق يمكن فهم أبعاد مقولة "إفرايم سينيه" في كتابه إسرائيل بعد عام 2000 من أنه "لا يمكن تقدير القيمة الاستراتيجية لإثيوبيا واريتريا دون الإشارة على سيطرتهما على مصادر النيل فهذه المسالة تخلق توتراً بينهما وبين مصر التي تخشى من حدوث أي تغيير هيدرولوجي في مصادر النيل يؤثر على شريان حياتها" احتلت العلاقات الإسرائيلية مع إثيوبيا مرتبة متقدمة في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا؛ حيث اعتبرت إثيوبيا بمثابة البوابة الرئيسية لها للنفاذ والتغلغل في القارة، وموطئ قدم لتثبيت تواجدها في مدخل البحر الأحمر وأعالي النيل، لذلك عملت على تشجيع ظهور الكيانات والدويلات الصغيرة و الضعيفة حول إثيوبيا
    وهدفت إسرائيل من ذلك إلى تهديد أمن مصر المائي من خلال محاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في منابع النيل وأهمها إثيوبيا التي مثلت المدخل الرئيس للنشاط الإسرائيلي في منابع النيل، وقد أوصى تقرير صادر عن قسم التخطيط بوزارة الخارجية في الكيان الصهيوني بما أسماه "معاقبة مصر" إذا استمرت في تبني موقف سلبي تجاه إسرائيل، وذلك بإجراءات مختلفة من بينها السعى لدى دول حوض النيل والمجتمع الدولي لتغيير الوضع القانوني لمسالة المياه في حوض النيل
    لذا وطدت إسرائيل علاقتها الاقتصادية بإثيوبيا حتى وصل الأمر على حد احتكارها لتجارة المحاصيل ولأسواق استهلاك العديد من السلع في إثيوبيا، كما استخدمت سياسة الإغراق لاكتساح السوق الإثيوبية بمختلف البضائع والسلع، وإلى جانب إقامة العديد من المستعمرات الزراعية تحت إشراف الخبراء الإسرائيليين على غرار المزارع الجماعية " الكيبوتز" التعاونية "الموشاف"، قامت إسرائيل بتملك وإدارة العديد من المزارع من خلال الشركات الإسرائيلية مثل شركة "انكودا" التي تملكت 50 ألف هكتار في إثيوبيا، وسعت إسرائيل بشكل مباشر لزعزعة الأمن المائي المصري من خلال إقامة العديد من السدود في إثيوبيا التي يمكن أن تؤثر على حصة مصر من المياه الواردة إليها بما اضطر مصر في 17 يناير 1990 - على سبيل المثال - إلى تحذير إسرائيل و إثيوبيا من العبث بمياه النيل، بعد تلقيها تقارير عن نشاطات إسرائيلية في إثيوبيا، وقيام الإسرائيليين باستكشاف إمكانية بناء ثلاثة سدود في إثيوبيا، فأرسلت القاهرة رسالة إلى أديس أبابا عبر ليبيا في يناير 1990 تفيد بأن القاهرة لن تسمح بأي محاولة لإعاقة مجرى نهر النيل"، وطلبت الخارجية المصرية من الحكومة الإثيوبية توضيحا لتأثير السدود التي تبنيها على بحيرة "تانا" على تدفق المياه بمعدلاتها الطبيعية على النيل الأزرق، وجاء الرد بعدم تأثير هذه السدود.
    ونشرت مجلة "لإكسبريس" الفرنسية في عددها الصادر في 11 أغسطس 1991 أن تل أبيب عرضت على إثيوبيا مشروع بناء سدود على نهر النيل تقديرا منها للدور الإيجابي في ترحيل يهود الفلاشا، وفي عام 1997 أعلنت شركة "ناحال" الإسرائيلية المسئولة عن تطوير وتخطيط الموارد المائية في إسرائيل أنها تقوم بمشاريع وأعمال في إثيوبيا لحساب البنك الدولي
    وفي الفترة التي واكبت عقد دول حوض النيل في الإسكندرية قام "أفيجدور ليبرمان" وزير خارجية إسرائيل بجولة تشمل بعض دول منابع النيل، بدأت في إثيوبيا في 2/9/ 2009 واستمرت لمدة عشرة أيام رافقه فيها عدد من كبار ممثلي قطاع الأعمال الإسرائيلي. وعليه كان سعي السياسة المصرية لمحاصرة الآثار السلبية للمخططات الإسرائيلية لزعزعة امن مصر المائي أحد محددات السياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا
    كما ألقت بنية وطبيعة التفاعلات في النظام الدولي ظلالها على السياسة المصرية تجاه إثيوبيا فشهدت دول حوض النيل في فترة الثمانينات حالة من عدم الاستقرار التي كانت جزء من مناخ وأساليب الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وبالتالي سادت العلاقات بين مصر وإثيوبيا العديد من التعقيدات في التسعينات
    كما استثمرت الدبلوماسية المصرية الظروف الدولية المواتية لعقد إطار التعاون بين مصر وإثيوبيا1993 وإن كان البعض يأخذ على الدبلوماسية المصرية أنها فوتت عقد اتفاق كامل ونهائي مع إثيوبيافي السنوات الأولى مما سمي آنذك النظام العالمي الجديد عام 1991 فلم يعقد الاتفاق إلا عام 1993.
    أهداف سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا
    ويمكن رد هذه الأهداف إلى هدف واحد هو تأمين مياه النيل الذي ينتظم ضمن الهدف الأساسي للسياسة الخارجية المصرية هو الأمن والاستقرار والتنمية اتساقاً مع الأهداف القومية المصرية وفي مقدمتها هدف التنمية وإعادة البناء
    ولتحقيق هذا الهدف اعتمدت مصر أهدافا مشتقة تدور حول ضمان الاستقرار في حوض النيل من خلال السعي لحل المنازعات سلميا ودعم آليات التعاون بين دول الحوض يحكمها في ذلك مبادئ عامة تمثل إطارا ثابتاً لأي توجه مصري للتعاون مع دول حوض النيل ومن بينها إثيوبيا، وهي ثوابت السياسة المائية المصرية تجاه هذه الدول:
    أ‌- اعتبار حوض النيل وحدة متكاملة لا تتعارض فيه المصالح بين دولة وأخرى بل تتكامل لتحقيق الفائدة القصوى للجميع
    ب‌- تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف أو العادل وليس الحصص العادلة
    ت‌- قدسية الاتفاقيات القانونية المنظمة لاستخدامات النيل.
    ث‌- تقوم مصر بتنفيذ مشروعاتها المائية في إطار حصتها المقررة ( 55.5 مليار متر مكعب)
    ج‌- تؤيد مصر مبدأ عدم نقل مياه حوض النيل خارج حدود دوله وفقاً لمبادئ هلسنكي 1966.
    ويمكن رد هذه المبادئ إلى مبدأين
    الاعتراف بالحقوق المكتسبة في إطار الاتفاقيات الدولية وبالنسبة لإثيوبياوردت هذه الحقوق في مجموعة من الاتفاقيات و مبدأ الحصول على نصيب عادل ومنصف من إيرادات النهر الإضافية وهذا المبدا لا يعني توزيع المياه بنسب متساوية إنما بنسب عادلة تأخذ في اعتبارها العوامل التالية:
    - طبوغرافية الحوض
    - الظروف المناخية المحيطة بحوض النهر بصفة عامة
    - سوابق الاستعمال بالنسبة لمياه النهر و الاستعمالات الراهنة
    - الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من دول الحوض
    - العنصر السكاني
    - مدى وجود مصادر بديلة للمياه
    - ضرورة تفادي الإسراف غير الضروري والإضرار بالدول الأخرى المنتفعة.
    انتهجت مصر سياسة مفادها " المرونة في إطار الثوابت" إزاء إثيوبيا وهي التي عبر عنها وزير الري السابق بقوله " التجاوب مع مطالب دول حوض النيل يعني أسلوبين: الأول ألا يأخذوا من حصتنا قطرة مياه واحدة والثاني إقامة مشروعات مشتركة تحقق مزيدا من التعاون معهم وتمنع الاعتداء على حصتنا السنوية
    سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا حتى 1997: المضامين والأبعاد
    كان المعلم العام لتعامل مصر مع دول حوض النيل هو التعامل بشكل مستقل مع كل دولة على حدة، وكان المحور الأساسي للسياسة المائية هو التحالف المصري السوداني في مجال المياه، وقد سبقت الإشارة إلى وجود نوع من التوجس المتبادل بين مصر وإثيوبيا حتى أنه عندما بدأت مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في مطالبة إثيوبيا بالالتزام باتفاقية 1891 م واتفاقية 1902 المنظمة لمياه النيل والتي رفضت إثيوبيا الاعتراف بها ثارت مشكلة كبرى بين البلدين ورفض "هيلاسلاسي" مقترح مصر بإنشاء "دولة حوض النيل الكبرى" واتهم الملك فاروق بمحاولة اغتياله عام 1947([i])
    وتجدد الخلاف بعد قيام نظام يوليو 1952 عندما قررت مصر بناء السد العالي دون استشارة دول المنبع، فعارضت إثيوبيا ذلك معتبرة أخذ رأيها أبسط حق من حقوقها في مياه النيل فأصبحت إثيوبيا في نظر مصر دولة معادية خاصة بعد قبولها قنصلاً عاماً لإسرائيل في أديس أبابا عام 1956 وقد استخدم الدين أيضاً في هذه الفترة حيث استخدم هيلا سلاسي فكرة أن إثيوبيا دولة مسيحية كبرى في المنطقة يجب على الدول الغربية المسيحية مساعدتها كما كان هيلا سلاسي يخشى من فكر عبدالناصر الثوري
    وخلال السبعينات ثارت مشكلة النيل مرة أخرى عندما أعلنت مصر عن مشروعها لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، وقد أثار هذا الإعلان رد فعل حاد لدى إثيوبيا التي أعلنت أن هذا المشروع ضد مصالح إثيوبيا، وتقدمت بشكوى لمنظمة الوحدة الأفريقية، وأعلن الرئيس المصري محمد أنور السادات أن بلاده ستحارب لو اتخذت إثيوبيا أي للتدخل في مياه النيل.
    وقد كانت السياسة الخارجية المصرية تتأثر بسياسة إثيوبيا الخارجية نفسها التي كانت في قدر كبير منها انعكاساً للتطورات الداخلية في إثيوبيا، فحتى سنة 1984 كانت العلاقات المصرية الأثيوبية تتسم بالتنافس الذي وصل في بعض مراحله إلى العداء والصراع كما هو الحال في الفترة من 1974-1978، وفي هذه الفترة كانت سياسة مصر الخارجية مرتبطة بسياسة الولايات المتحدة في المنطقة والمعادية لإثيوبيا بما عمق الخلاف بين مصر وإثيوبيا إلى درجة التهديد بالحرب، ومنذ عام 1984 بسطت الحكومة الأثيوبية على أغلب أراضيها فعلياً، وهو ما انعكس على سياستها الخارجية فأصبحت أقل حساسية في التعامل مع مصر، وبدأت العلاقات تأخذ شكلاً من الاستقرار بين الدولتين
    وعزز ذلك اتسام سياسة مصر منذ الثمانينات بطابع انتهاج السلام والمصالحة، فاكتسبت طابعاً مميزاً يتسم بالحرص التام على الابتعاد عن أي نوع من المغامرات السياسية والعسكرية
    بدأت سياسة مصر الخارجية تتجاوب وتتفاعل مع توجهات السياسة الخارجية الأثيوبية الجديدة، وبدا ذلك واضحاً منذ عام 1982 عندما عقدت مصر مع إثيوبيا العديد من اتفاقيات التبادل التجاري والتعاون الفني كما ترأس الرئيس المصري حسني مبارك وفد مصر إلى مؤتمر قمة منظمة الوحدة الأفريقية وعقد اجتماعا مع الرئيس الأثيوبي عده المراقبون السياسيون كسراً لحلقة الجمود في العلاقات المصرية الأثيوبية كما اجتمع الرئيس مبارك مرتين بالرئيس الأثيوبي آنذاك "منجستو هيلا ماريام" الذي زار مصر في الفترة من 9-12 أبريل 1988
    وأثناء هذه الزيارة تم الاتفاق على إنشاء لجنة وزارية مشتركة للعمل على تنمية وتطوير العلاقات في مجالات الاقتصاد والتبادل التجاري والعلمي والتكنولوجي والثقافي بين البلدين وتوالت الاجتماعات الرسمية على مستوى الوزراء بين البلدين منذ 1986 لتتناول التعاون المصري الأثيوبي في كافة المجالات
    لكن وقد كانت استمرت إثيوبيا تطالب بإعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل وعمليا على أرض الواقع ظهرت تلك الاعتراضات عام 1996 عندما أعلنت إثيوبيا عن نيتها إنشاء عدد من السدود على النيل لتوفر 180 مليون متر مكعب من المياه يتم خصمها من حصة مصر والسودان، بالإضافة إلى طلب بنك التنمية الأفريقي موافقة مصر لتمويل إقامة عدد آخر من السدود الإثيوبية على النيل.
    وتأكيداً لتلك الاعتراضات تقدمت إثيوبيا بورقة عمل في مؤتمر النيل 2002 الذي عقد بإثيوبيا في نهاية فبراير 1997، ودعت فيها على إلغاء الاتفاقيات الموقعة من قبل بما فيها اتفاقية 1959. وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الموارد المائية الإثيوبية إن بلاده تريد التوصل إلي ما وصفه بالاستخدام العادل لمياه النيل عبر مفاوضات واتفاقيات سياسية.
    وتعضد هذه الرؤية الرسمية التوجه الإثيوبي غير الرسمي فيرى احد الباحثين في كتاب تناول وجهة النظر الإثيوبية في قضية توزيع مياه النيل : إن هناك شكوكاً راسخة بين العديد من الدول المشاطئة للنيل ومن الصعب محوها بجرة قلم .. وحتى الآن فإن مصر ترفض بشدة و لا تبدي أي استعداد لإلغاء معاهدة 1959 أو حتى الدخول في نقاش في هذا الشأن وهذا هو ما يدفعنا للتذكير بان مبادرة حوض النيل مضيعة للوقت ... القضية الحقيقية الأساسية هي توزيع عادل ومتساو لمياه النيل ومناقشة الجوانب الفنية تستلزم اتفاقاً عادلاً ومعقولا يتم الاتفاق عليه.
    ارتكزت مصر في تعاملها مع قضية المياه تجاه إثيوبيا على الاتفاقيات التي تحدد نصيبها من مياه النيل فضلا عن تحديد الأطر التي يجري من خلالها الوصول على اتفاق على أي من المشاريع بشان تطوير النهر بحيث لا يتم تنفيذ هذه المشاريع بدون موافقتها الصريحة، كما حدث عندما تشاورت إثيوبيا مع مصر عام 1996 قبل بناء عدد من السدود بتمويل البنك الدولي فاعترضت مصر مما أدى لتراجع إثيوبيا عن المشروع وفي 2001 وافقت مصر على إقامة 13 مشروعا مائياً على النيل في إثيوبيا.
    وعلى الرغم من أن إثيوبيا قد كانت في حاجة للسدود فإن بناءها على اثر توتر في العلاقات المصرية مع السودان التي حاولت الضغط على مصر ووقع مع إثيوبيا إعلان الصداقة والسلام وقامت بالاشتراك مع إثيوبيا في تأسيس منظمة حوض النيل الأزرق دون اعتبار لمصر التي لم تدع للانضمام إليها
    ومن هذا المنطلق إتم توقيع اتفاق طار التعاون بين مصر وإثيوبيا الذي وقعه الرئيسان "ميليس زيناوي" و مبارك في القاهرة 1993 بعد أن ظلت إثيوبيا لفترة طويلة تعارض عقد أي اتفاقيات مع مصر بشان المياه حتى عام 1993 الذي شهد شهد نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين فكانت أول مرة تقبل فيها إثيوبيا الدخول في مفاوضات بشان مياه النيل وقد عقدت جولتان من المحادثات المصرية الإثيوبية لوضع الاتفاق موضع التنفيذ وتم الاتفاق على ضم السودان للمفاوضات وقام وزير الموارد المائية والري المصري بزيارة إثيوبيا في يونيو 1994 وهي أول زيارة يقوم بها وزير مصري لإثيوبيا منذ عام 1982
    لكن صانع السياسة المصرية المائية تجاه إثيوبيا سعى للاستفادة من خبرات الماضي بمحاولة وضع صيغة للتعاون بين مصر وإثيوبيا لاستخدام مياه النيل على أن تكون هذه الصيغة مرنة وقابلة لإعادة النظر والتعديل وليس صيغة جامدة كما حدث في اتفاقية مياه النيل في عام 1959 مع عدم الاعتماد على القواعد القانونية فقط لأنها قواعد نظرية أكثر منها فعلية ولأن القواعد القانونية لا تكفي إطلاقاً لإقامة التعاون بين دول النهر الواحد فسعت السياسة المصرية لإقامة مشروعات مشتركة تؤدي في النهاية إلى خلق نوع من الهيئات المشتركة التي تتمتع بسلطة فوق الحكومات فيما يتعلق بالجوانب الفنية والاقتصادية ذات المصلحة المشتركة فعادة ما تخلق هذه المشروعات المشتركة نوعاً من الاعتماد المتبادل بين الدول التي أنشأتها كما حدث بعد إنشاء خزان جبل الأولياء في السودان عام 1930 والذي أدى لتطوير الرابطة المشتركة بين البلدين وقاد على إنشاء " الهيئة الدائمة لمياه النيل" وكذلك خزان أوين الذي كان أساس تطوير رابطة قوية بين مصر وكينيا وأوغندة فإنشاء خزانات للزراعة وتوليد الطاقة وبمبادأة فنية ومالية من مصر وما سيصحب ذلك من مشروعات بنية أساسية سيؤدي إلى اعتماد متبادل يجب التخطيط والتعاون لتحقيقه والاستفادة من نتائجه فيكن ذلك بداية لإنشاء سلطة تعاونية فوق الحكومات لها القدرة على التنسيق مستقبلاً بين كافة الأنشطة.
    ومع ذلك فإن إثيوبيا هي الدولة النيلية الوحيدة التي تغيب دوما عن أي من اتفاقيات وهياكل إدارة حوض النيل فقد تمتعت بصفة مراقب فقط في تجمع الاوندجو وعقدت إثيوبيا اتفاقا للتعاون الإطاري مع مصر في يوليو 1993 إلا عن اللجنة المشتركة بين الدولتين لم تجتمع سوى مرتين خلال السنوات من 1992 على 1997.
    فبالنسبة لتجمع الأندوجو وهي كلمة تعني الإخاء باللغة السواحيلية، فقد كانت مصر صاحبة فكرة إنشائه بتأييد من زائير والسودان، ويضم أغلب دول حوض النيل في منطقة شرق ووسط أفريقيا، وقد أُعلن عن إنشائه أثناء انعقاد المؤتمر الوزاري الأول لدول حوض النيل والذي عُقد بالخرطوم في نوفمبر 1983 وكانت أهداف التجمع:
    أـ التشاور والتنسيق في المواقف بين دول المجموعة تجاه القضايا الإقليمية.
    ب ـ دعم التعاون بين دول المجموعة في مجال التنمية.
    ج ـ تبادل الخبرات في كافة المجالات بهدف دعم التعاون الإقليمي.
    د ـ أن تنعقد اجتماعات الأندوجو في إطار التعاون الإقليمي الوارد طبقاً لخطة عمل لاجوس الاقتصادية الصادرة في 1980.
    هـ ـ دعم التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء في الاتفاقية. غير أن هذا التجمع صادفته كثير من العقبات التي حالت دون تحقيق أهدافه ومن أهم تلك العقبات:
    أ ـ نقص التمويل الكافي لتمويل مشروعاته.
    ب ـ التنافس الدائم بين إثيوبيا والسودان على استضافة لجنة المتابعة الدائمة
    أما تجمع التيكونيل فهو تجمع للتعاون الفني بين دول حوض النيل للتنمية وحماية البيئة، وقد أُنشئ هذا التجمع في ديسمبر 1992 بمشاركة ست دول كأعضاء عاملين وهم: مصر ـ السودان ـ تنزانيا ـ أوغندا ـ رواندا ـ الكونغو الديمقراطية. وحصلت باقي الدول وأهمها إثيوبيا على صفة مراقب، واستمر مشروع التيكونيل خلال الفترة من 1992 وحتى 1998، الذي يُعد أول آلية منظمة تجمع دول الحوض بخطة شاملة تضمنت 22 مشروعاً، من أهمها مشروع إعداد إطار للتعاون الإقليمي القانوني والمؤسسي بين دول حوض النيل الذي شكلت له لجنة فنية قانونية تضم ممثلين من دول حوض النيل تجتمع بشكل دوري عدة مرات كل عام، وقد تحولت تلك اللجنة في 2002 إلى لجنة تفاوضية مشتركة.وتعمل هذه اللجنة حتى الآن للاتفاق على الإطار القانوني والمؤسسي المنشود إدارة نهر النيل)[ii](
    سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا منذ 1997 : المضامين والأبعاد
    شهدت تلك الفترة تطوير المقترب المصري من السياسة المائية تجاه إثيوبيا إلى نهج تكاملي تنموي يقوم على الجمع بين أدوات السياسة الخارجية المختلفة الاقتصادية والسياسية والثقافية لضمان فعالية جهود مصر الهادفة لتأمين مياه النيل من خلال تطوير إطار تعاوني لتحقيق التنمية بين دول الحوض جميعها بحيث يتحول النيل – كما عبر وزير الري المصري - إلى رابط وثيق بين مصر وإثيوبيا ودول الحوض بشكل أساسي بدلا من أن يتحول إلى قضية خلافية حول توزيع حصص المياه.
    فشهدت العلاقات بين البلدين انفراجا ملحوظا ، تمثل هذا في انعقاد اجتماعات اللجنة المشتركة وذلك خلال الفترة من 25-27 يوليو من عام 2006 بعد فترة توقف طويلة دامت حوالي 17 عاما وقد أثمرت اجتماعات اللجنة المشتركة الأخيرة بالقاهرة عن توقيع العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات في المجالات المختلفة، خاصة في إطار تعزيز وحماية الاستثمار، الشئون الاجتماعية، الإعلام، والسياحة شارك في الاجتماعات من الجانب الإثيوبي وزراء: الخارجية، التجارة والصناعة، الثقافة والسياحة، الإعلام، وزير الدولة للزراعة والتنمية الريفية، ورأس الاجتماعات وزيرا خارجية البلدين. هذا وقد وافقت الدولتان علي عقد اجتماع اللجنة المشتركة بينهما كل عامين، وعقد اجتماع لجنة المتابعة كل ستة أشهر.
    من جانب آخر، فقد امتد التنسيق والتشاور بين البلدين في كافة المجالات ، وقد وضح ذلك خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي السيد / ميليس زيناوي لمصر في الفترة من 16-19 أبريل من عام 2005 ، حيث امتدت أنشطة تلك الزيارة وفعالياتها إلى مستويات: ثنائية، وثلاثية ( مع السودان) ، ورباعية ( مع نيجيريا) ، ومتعددة الأطراف (مع الدول المشاركة وقتها في اجتماعات النيباد المنعقدة بشرم الشيخ )وجرى الاتفاق على دعم مبادرة حوض نهر النيل وتم توقيع اتفاقيتين للتعاون بين الجانبين بهدف مضاعفة حجم التبادل التجاري القائم بينهما.
    قد أثمرت زيارة وزير خارجية إثيوبيا السيد/ سيوم مسفين خلال شهر يناير 2007 لمصر عن عقد مشاورات إيجابية وهامة بين الجانبين،حيث التقى خلالها بالرئيس/ حسني مبارك حيث زار وزير الخارجية المصرى إثيوبيا خلال الفترة من 5-6 ديسمبر 2004 ، وقد أعلنت مصر خلال هذه الزيارة – في إطار سياستها لضمان الاستقرار في حوض النيل - عن دعمها للحكومة الإثيوبية في جهودها الرامية لحل النزاع الحدودي مع إريتريا سلميا، كما رحبت مصر بمبادرة السلام الإثيوبية ذات خمس نقاط لحل نزاعها مع إريتريا.
    كان من أبرز الزيارات أيضا زيارة وزير الكهرباء والطاقة المصرى لأديس أبابا ومشاركته في الاجتماع الأول لوزراء الطاقة الأفارقة خلال الفترة من 24-25 مارس 2006 ، والذي جاء عقب اجتماع مماثل لوزراء الطاقة في دول حوض النيل الشرقي بالقاهرة في 15 مارس 2006 . وقد تم خلال الاجتماع التوصل لعدد من المشروعات المشتركة والتوصيات مع نظيره الإثيوبي السيد/ ألمايو تجنو
    وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين، فقد زاد حجم التبادل التجاري بشكل عام منذ عام 2000 ، ومقارنة بأرقام العام الحالي والسابق: نجد أن المعدل قد سجل خلال سبعة شهور في عام 2007 مبلغ قدره 70.500 مليون دولار ، مقابل 38.500 مليون دولار عن نفس الفترة من العام السابق، أي بزيادة قدرها 83% . وبالنسبة للشركات المستثمرة تبلغ حاليا 23 شركة وذلك برأسمال مصري ومشترك. هناك أيضا استثمار جديد يتمثل في مصنع العدادات الكهربائية. أيضا هناك إجراءات جديدة لاستيراد اللحوم من إثيوبيا يقوم بها السيد / جيرما بيرو وزير التجارة والصناعة الإثيوبي، من أجل دفع التعاون التجاري بين الجانبين.
    كما سعت مصر لدعم التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا من خلال إطار مؤسسي مستقر هو منظمة الكوميسا، حيث تكتسب علاقة مصر بإثيوبيا داخل الكوميسيا أهمية فائقة حيث تمثل السوق المشتركة مدخلاً ملائما من مداخل تنمية العلاقات وتفعيلها مع إثيوبيا خاصة في ظل غياب أي تنظيم إقليمي فرعي يربط مصر بإثيوبيا، كما أن تكثيف الحضور المصري الاقتصادي في إثيوبيا يتصدى للتسلل الإسرائيلي الاقتصادي.
    أما التعاون الفني والمنح المقدمة من الجانب المصري، فهي مستمرة ، حيث تعطي مصر الأولوية دائما للجانب الإثيوبي في العديد من المجالات التدريبية خاصة في المجالات العلمية، الزراعية، الإعلامية، الصحفية والمتخصصة وذلك بجانب المنح والدورات التي يقدمها الأزهر الشريف للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بإثيوبيا وغيرها من المنح.
    أما المساعدات الخاصة بمتضررى الفيضانات، ضحايا الجفاف، المجاعة وغيرهم فهي مستمرة منذ عام 2003 بلا توقف حيث تقدم مصر المساعدات الغذائية، الإنسانية، الصحية وغيرها لكل من لجنة الاستعدادات ومنع الكوارث الإثيوبية، وكذلك لمنظمة الصليب الأحمر الإثيوبية .
    ولعل الجانب المميز في مسيرة العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة يتمثل في عودة العلاقات الكنسية "والتي استمرت علي مدار 1600 عاما" لوضعها الطبيعي بعد زيارة وفد كنسي مصري رفيع المستوى لإثيوبيا في أواخر يونيه 2007 ، أعقبه زيارة الأنبا/ باولس بطريرك إثيوبيا علي رأس وفد كنسي رفيع المستوى يضم 10 أساقفة يوم 2007/7/13 للقاهرة.
    وفي إطار التعاون الثقافي، تزايدت الأنشطة الثقافية ومن بينها عمل احتفالية مصرية – إثيوبية مشتركة في 2 نوفمبر من عام 2006 وذلك بمقر السفارة المصرية بأديس أبابا، شارك فيها بفاعلية إتحاد الكتاب الإثيوبيين. كما شهدت الفترة من 31 مارس وحتى 5 أبريل مهرجانا للأفلام المصرية ( تم خلاله عرض 6 أفلام مصرية متنوعة) وشاركت مصر في احتفالات إثيوبيا بألفيتها الجديدة من خلال عدد من فرق الفنون الشعبية (2007) ومعارض للحرف التقليدية (2008 )
    وعلى المستوى المباشر المتعلق بنهر النيل استمرت لقاءات وزيري الري في البلدين، وقد شاركت مصر بفعالية في منتدى تنمية حوض نهر النيل الأول بأديس أبابا ( خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 2 ديسمبر 2006 ) . يذكر أن المشاركة المصرية قد جاءت من خلال وفد رسمي رفيع المستوى، بجانب مشاركة 8 علماء وباحثين مصريين تقدموا بأوراقهم البحثية أمام المنتدى، هذا بجانب وجود عدد من الإعلاميات والصحفيات من مصر شاركوا في ورشة عمل بناء الثقة بين دول الحوض.
    أيضا قام وزير الري المصري بزيارة لإثيوبيا في شهر مارس 2007 للتشاور مع نظيره الإثيوبي قبل المؤتمر الوزاري لدول مبادرة حوض نهر النيل والذي عقد في كيجالي برواندا في نفس الشهر. وأعلن عن استعداد مصر للتوصل لاتفاقية مع دول مبادرة حوض نهر النيل.
    واعتمدت الحكومة المصرية سياسة عدم الإثارة إزاء المواقف الإثيوبية مع تفهم المطالب الإنمائية المشروعة والتعاون مع إثيوبيا بهدف تعظيم الاستفادة من مصادرها المائية لصالح مشروعاتها التنموية بشرط عدم حدوث أي تأثير سلبي على حصة مصر من مياه النيل، فـ " مصر لا تقف ضد بعض المشروعات المطروحة من الجانب الإثيوبي، طالما لا تؤثر على حصة مصر في مياه النيل، بل على العكس سندعمهما في المحافل الدولية والمؤسسات المالية ، مشددين على أن حصة مصر في مياه النهر خط أحمر لن نسمح أبدا بتجاوزه وموقفنا بهذا الصدد واضح وضوح الشمس"(
    فلم تعترض مصر على إعلان الجانب الإثيوبي بدء دراسة جدوى لبناء سد يستخدم في توليد الكهرباء على النيل الأزرق في إطار مبادرة إقليمية تم إقرارها بالتعاون مع مصر لإدارة مياه النهر. لأن السد لا يتعارض مع الاتفاقية التاريخية الموقعة منذ عام 1929.
    وتدعيما للعلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا قام وزير الري المصري في 5 مايو 2009 بزيارة إثيوبيا لدعم للتعاون مع إثيوبيا في مجالات التدريب والتعليم والبحوث المائية ، وحفر آبار المياه الجوفية وتصميم المنشات المائية الصغيرة ، إلى جانب التشاور مع الجهات الإثيوبية المختصة حول مسيرة العمل في مبادرة حوض النيل والتغلب على أية عوائق في هذا المجال.
    وفي هذه الزيارة طالب وزير الري المصري المسئولين الإثيوبيين "بالشفافية الكاملة بتسليم المستندات والبيانات الخاصة بأية مشروعات مشتركة لمناقشتها بين الأشقاء في حوض النيل انطلاقا من وحدة المصير وسعي مصر الدائم لتحقيق هدف رفع مستوى الحياة المعيشية لمواطني دول الحوض"
    إلا إن السمة المميزة لهذه المرحلة من سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا هو إدراجها ضمن خطة شاملة للتعاون الإنمائي لدول حوض النيل رغبة في تفعيل مجموعة من الآليات المتكاملة المستندة على الحق في التنمية مع عدم الإضرار بالغير بل والسعي لربط دول الحوض بأنساق من المصالح القادرة على تقليص قدرة القيادة السياسية ورغباتها في دول حوض النيل بانتهاج سياسات متعارضة مع تلك المصالح
    وفي هذا الإطار اقترحت مصر بعد تعديل فترة عمل تجمع التيكونيل في ديسمبر 1998، إنشاء آلية جديدة تضم دول حوض النيل جميعاً بما فيها إثيوبيا وكينيا وتشمل وضع إستراتيجية للتعاون بين الدول النيلية، في فبراير من العام 1999 تم التوقيع علي هذه الاتفاقية بالأحرف الأولي في تنزانيا من جانب ممثلي هذه الدول، وتم تفعيلها لاحقا في مايو من نفس العام، وسميت رسميا باسم: "مبادرة حوض النيل"، (بالإنجليزية: Nile Basin Initiative) وتختصر NIB وتبدأ هذه المبادرة بعمل دراسات لبعض المشروعات التي تقوم على مبدأ الفائدة للجميع ثم تنتقل بعد ذلك إلى مرحلة التنفيذ.
    تميزت مبادرة دول الحوض عن غيرها من التجارب باستنادها إلى مجموعة من القواعد والأسس التي أفرزتها خبرة التعاون المشترك منها:
    إعطاء الأولوية لقاعدة المصالح المتبادلة وتعزيز أطر بناء الثقة على المستويين الحكومي والشعبي
    - الاستناد إلى خطط واضحة لاستخدام وإدارة المياه
    - تجاوز مفهوم أحادية الوظيفة الفنية التي تسيطر على مفاهيم ورؤى دول الحوض
    - الحرص على توفير فرص بناء نظام إقليمي للتنمية الشاملة أفقيا في حوض نهر النيل.
    تقوم المبادرة على عدد من المبادئ العامة التي تساعد على تحقيق أهدافها، وتسهل من عملها؛ وهي:
    * أن المياه حق لكل دول الحوض.
    * عدم قيام مشروع يؤدي إلى الإضرار بمصالح الدول الأخرى.
    * أن تعم الاستفادة من أي مشروع على دولتين على أقل تقدير.
    * اتجاه متزايد باستبعاد فكرة الصراع، باعتبار أن المشكلة هي سوء الاستخدام، وليست ندرة المياه .
    ومن برامج المبادرة برنامج الرؤية المشتركة SHARED VISION PROGRAM (SVP):
    تتمثل الرؤية المشتركة للمبادرة في "تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتمـاعية المستدامة من خلال الاستخدام المتكافئ بالموارد المائية المشتركة بحوض النــيل والانتفاع بها"، وذلك من خلال "إقامة آلية للتنسيق، وخلق بيئة مواتية، لتحقيق الرؤية المشتركة من خلال أعمال ملموسة على أرض الواقع"، والمستهدف هو أن يمتد البرنامج ليشمل الحوض بأكمله، ويساعد على دعم العمل المشترك، وتبادل الخبرات، وبناء القدرات، ذلك بما يكفل أساساً قوياً للتعاون الإقليمي. بدأ تكون برنامج الرؤية المشتركة على مدار الفترة الممتدة من فبراير 1999 وحتى مارس 2001 ليتحول من 4 محاور موضوعية إلى7 مشروعات تغطي الحوض بأكمله، وقد تولت الأمانة العامة للمبادرة تنفيذ هذه العملية وتنسيقها، بينما شاركت فيها اللجنة الاستشارية الفنية مشاركة فعالة، وصدق عليها رسمياً مجلس وزراء المياه بدول حوض النيل في "دار السلام" في22/2/1999.
    كما تجدر الإشارة إلى أن الوزراء المكلفون بشئون الكهرباء في دول حوض النيل قد عقدوا اجتماعاً في "دار السلام" في 20/5/2003 شاركت فيه مصر بوفد ترأسه السيد الدكتور/ حسن يونس، وزير الكهرباء والطاقة، وضمت أهم نتائجه:
    * "إعلان دار السلام" للتعاون الإقليمي بين دول الحوض في مجال نقل الكهرباء والطاقة.
    * التصديق على تنفيذ مشروع تجارة الطاقة بمنطقة حوض النيل.
    * تبني رؤية طويلة المدى لإقامة "منتدى الطاقة بحوض النيل"(Nile Basin Power Forum).
    برامج العمل الفرعية:
    تختص هذه المشروعات بالأحواض الفرعية في كل من الهضبة الإثيوبية وفي منطقة البحيرات العظمى، والهدف من هذه البرامج هو إطلاق مسار موازي للرؤية المشتركة يعمل على تنفيذ مشروعات استثمارية، عابرة للحدود، وذات منفعة مشتركة. وتضم المشروعات الفرعية:
    1- برنامج العمل الاستراتيجي للنيل الشرقي: (ENSAP)
    2- ويضم مصر والسودان وإثيوبيا، ويهدف إلى ضمان الاستخدام الأمثل للمياه، ومواجهة قضايا الفقر. وقد تم البدء في هذا البرنامج من خلال مشروع أولي يسمى "التنمية المتكاملة للنيل الشرقي (IDEN)، يضم سبعة مشروعات فرعية؛ هي:
    أ. نموذج تخطيط النيل الشرقـي. ب. تنمية صادرات المياه متعددة الأغــراض .
    ج. الإنذار المبكر من الفيضانات. د. تطوير وسائل الاتصال بين السودان وإثيوبيا
    هـ. استثمار وتجارة الطاقة للحوض الشرقي . و. الري والصرف.
    ز. إدارة مصادر المياه .
    تم إنشاء "المكتب الإقليمي الفني لحوض النيل الشرقي" ومقره أديس أبابا لتسهيل العمل التعاوني بين الدول الأعضاء، ويديره 3 مديرون واحد من كل دولة.
    واستجابة لهذه السياسة حرصت إثيوبيا على تطمين مصر بشأن مياه النيل فنفى "سيفراوجارسو" وزير الري الأثيوبي وجود أي مشروعات مشتركة بين إثيوبيا وإسرائيل، وأن أي تعاون من هذا النوع يتم في أضيق الحدود وعلى مستوى التدريب الفني الذي لا يرقى إلى تعاون يترتب عليه التزامات من الجانب الأثيوبي ،وأكد سيفراوجارسو أن المسئولين الأثيوبيين حريصون على عدم التوقيع على أي اتفاق، أو الموافقة على قيام مشروعات من شأنها تعرض أمن مصر أو الدول المشاركة في حوض النيل للمخاطر، سواء من جانب إسرائيل أو غيرها من القوى الدولية والإقليمية
    سياسة مصر المائية تجاه إثيوبيا: الفرص والتحديات
    إن تعزي التعاون بين مصر وإثيوبيا يتيح لمصر الاستفادة من المشروعات المشتركة من ناحية والاعتراف بمطالب إثيوبيا من ناحية أخرى بما يجعل حل الخلاف المائي ممكنا بصورة تعاونية لكن في إطار عدد من العوامل أهمها:
    - الوعي بالاعتماد المتبادل والبعد عن الإثارة في تناول قضية المياه بين البلدين
    - إمكانية زيادة إجمالي واردات المياه
    - استثمار الميراث الممتد من المبادرات القائمة على حل النزاعات وبناء الثقة
    - فعالية دور الفاعلين الدوليين المهتمين بحل الصراع بصورة بناءة وتوفير حوافز للتعاون بين الدول المتشاطئة.
    ويرتبط ذلك التعاون بالقدرة على تفعيل مجموعة من الآليات المتكاملة المستندة على الحق في التنمية وعدم الإضرار وفي هذا السياق يمكن التركيز على عدة مستويات للتحرك
    الأول الدخول في مفاوضات سياسية تراعي المصالح المشتركة وعدم الإضرار وتعدد سبل التعاون الجماعي
    المستوى الثاني يتعلق بالبعد التنموي الذي يتبناه العديد من دول الحوض في ما يتعلق بالاستخدام الثل للموارد وكيفية أن يكون متجاوزا للتقلبات غير المتوقعة ويرتبط بهذا تغيير نمط الري من ري مطري إلى ري دائم في إثيوبيا على الأخص.
    المستوى الثالث إشراك المنظمات الشعبية في شبكة من التفاعلات البيئية على مستوى المجتمعات في دول الحوض بما يحقق مقتضيات تغيير الصورة الذهنية المتبادلة والإدراك الحقيقي لمتطلبات التعاون الجماعي. إن التحدي أمام مصر وإثيوبيا هو النجاح في مشاركة الفائدة بدلا من المشاركة في صراع وزيادة الإنتاج بدلاً من إثارة التوترات والتعاون لتطوير حاويات مياه بدلاً من حاويات حروب واستخدام المياه بدلاً من سوء استخدام المياه.