عمرانيات

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني بالبحث والترجمة الزائر الكريم: تفضل بزيارة مدونتي الأخرى Mnzoor.blogspot.com Alkasd.blogspot.com

الثلاثاء، أبريل ١٣، ٢٠١٠

المقاضاة والمصالحة: مداخل متنافسة أم متكاملة للعدالة الانتقالية

  • Alkasd my other blog
  • Leebaw, Judging the past: Truth, Justice, and Reconciliation from Nuremberg to South Africa, Unpublished dissertation, (Berkeley: University of Calfornia, 2002).

    تدرس هذه الأطروحة التضمينات السياسية للمداخل النظرية المتنافسة للعدالة الانتقالية وتطورها، وتبحث كيف يمكن تقييمها بشكل نقدي، ويدرس القسم الأول من الأطروحة المعضلات النظرية للعدالة الانتقالية من خلال أعمال "كارل ياسبرز" و"هانا أرنت" و"أدورنو", وتحاج بأن اهتمام المناظرة الحالية حول لجان الحقيقة والمحاكم الجنائية الدولية تركز على البعد الرمزي للعدالة الانتقالية، وأنه يجب إيلاء مزيد من الاهتمام بالحكم السياسي في تصميم هذه المؤسسات، وبالخبرة التاريخية التي أنتجتها.
    أما القسم الثاني من الأطروحة فيرسم مسار تطور مدخلين متمايزين للعدالة الانتقالية:مدخل المقاضاة الذي تناصره أغلب منظمات حقوق الإنسان، ومدخل العدالة التصالحية الذي طوره قادة جنوب أفريقيا. ومن خلال الدور المتداخل الذي تقوم به الدعاوى الأخلاقية والسياسية في تصميم مشروعات العدالة الانتقالية المعاصرة تحاول الأطروحة إلقاء الضوء على المخاطر التي تحملها العدالة الانتقالية وإسهاماتها في عملية إضفاء الطابع الديمقراطي، ودور منظومة حقوق الإنسان الدولية في مواجهة والتعامل مع الصراعات الداخلية ومظالم الماضي
    فقد كانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ولرواندا،و لجنة جنوب أفريقيا للحقيقة والمصالحة أمثلة بارزة على المؤسسات الوطنية والدولية العديدة التي ظهرت في مختلف مناطق العالم في العقود الماضية استجابة للاعتقاد المتنامي بأن التعامل مع الماضي عنصر ضروري لبناء الأمة وحل الصراع والديمقراطية - وبشكل أوسع - توقع إمكانات تحقيق العدالة مستقبلاً، فيتعامل قادة النظام الخلف (الجديد) مع المظالم المرتكبة تحت حكم النظام السابق من خلال المحاكمات الانتقالية، والتطهير الإداري، والتعويضات - وفي السنوات الأخيرة - لجان الحقيقة التي تحقق في الأنماط التاريخية من العنف وأصبحت أدوات للاستجابة لانتهاكات الماضي، ويعرف الحقل العلمي الذي يدرس هذه المؤسسات وتفسير تفريعاتها بالعدالة الانتقالية.
    ترتبط العدالة الجنائية بمحاكمة ومعاقبة المذنبين في المحاكم، ويقوم هذا الفهم للعدالة الجنائية على تصور للجريمة كأعمال تنتهك القواعد الصريحة لنظام العدالة في حين أن كل جهود العدالة الانتقالية سواء في رواندا أو جواتيمالا أو جنوب أفريقيا تهدف إلى الاستجابة لمجموعة من المشكلات تُعَقِّد مثل هذه الافتراضات عن الجريمة والعدالة. فثمة العديد من البلدان التي تشهد تغيراً جوهرياً في الحكومة أو الدستور وأصبح ينظر - كجزء من عملية التغير السياسي الديمقراطي - لصراعات الماضي وسياسات الدولة السابقة باعتبارها إجرامية، وإنها ليست مجرد عنف واسع النطاق وحسب بل ومظالم جسيمة. وكل من هذه البلدان مقسم بشكل بالغ: فقطاعات عريضة من السكان عانوا الكثير، وأغلبهم إما كانوا ضحية المعاناة أو ضالعين بشكل أو بآخر في إيقاع هذه المعاناة. وبالإضافة إلى الاستجابة لمطالب تحقيق العدالة، فإن على هذه البلدان مواجهة الانقسامات، والكراهية، والخوف، والتهديدات، وعدم الاستقرار الناجم عن الفظائع التي ارتكبت في سياق صراعات الماضي. فلابد لها أن تواجه مسألة كيف يجد هؤلاء الناس الغاية في الانقسام على أنفسهم طريقة للعيش مع بعضهم بعضاً.
    يركز مجال العدالة الانتقالية على الانتقال إلى الديمقراطية، فهذا الحقل تأثر بشكل بالغ بمناصري حقوق الإنسان الذي رأوا أن العدالة الانتقالية توفر جسراً للانتقال من فترة التسلطية والقمع أو الصراع المدني لنظام سياسي أكثر ديمقراطية.
    إن مفهوم العدالة الانتقالية قسم متداخل بين نوعين من المسائل التي عادة ما تعالجها حقول بحثية متمايزة: فتثير العدالة الانتقالية مسائل نظرية صعبة عن تطبيق القواعد بأثر رجعي، وصياغة مفهوم العدل في غياب معايير مشتركة، والظلم المتأصل في أي نظام لإصدار الأحكام، والعلاقة بين العدالة الجنائية والعدالة الاجتماعية، وفرض عدالة المنتصر على المغلوب. كما أن العدالة الانتقالية تتأثر بعالم القوة والمصالح والجبر والاهتمامات النفعية والتحالفات والاستقرار والتي تتم معالجتها تقليدياً في ساحة علم السياسة.
    إن هذين النوعين من الاهتمامات في مجال العدالة الانتقالية يؤثر كل منها على الأخر بطرق معقدة برغم ما تبدو عليه من تعارض وتمايز.
    مفهوم الانتقال نفسه مفهوم إشكالي، فعادة ما ينظر للعدالة الانتقالية كعملية "انقطاع عن الماضي" لكن في المجال البحثي حول العدالة الانتقالية لا يجري التعامل مع الانتقال كنقطة واضحة ومحددة في مسار زمني، بل كفترة غير محددة بدقة تبدأ بالأحداث التي أدت لانهيار النظام امتداداً إلى السنوات الأولى للنظام الجديد. ومؤسسات العدالة الانتقالية مؤسسات مؤقتة ولا تشترك في مهامها مع نظام عدالة قائم وساري في الدولة، ومع ذلك يصعب فرض حدود على تصور الانتقال السياسي نفسه. ويتحدى المجال البحثي بشأن العدالة الانتقالية فكرة أن الانتقال يكتمل بتغيير النظام وذلك بتأكيده على عملية التعامل مع الماضي، فالسياسة بشكل عام – من وجوه عدة – عادة ما تكون في انتقال، بما يعني أن للعدالة الانتقالية تضمينات أوسع للنظرية السياسية وعلم السياسة.
    وقد ظهر مدخلان متنافسان للعدالة الانتقالية، وأصبحا مؤثرين في تشكيل خيارات السياسة فتحاج أغلب منظمات حقوق الإنسان الآن بوجوب التعامل مع العنف السياسي النظامي في ساحات المحاكم وفقاً لمبادئ القانون الدولي، من خلال مقاضاة الأفراد المسئولين عن تنظيم أو ارتكاب هذه الأعمال الوحشية، ويتم تقديم مدخل الملاحقة القضائية الآن تأسيساً على فكرة أن العدالة الدولية في شكل المحاكمات ستسهم في بناء الدولة وحل الصراع، لكن قادة جنوب أفريقيا يحاجون بان لجنة جنوب أفريقيا للحقيقة والمصالحة تقدم بديلاً: "مدخل التصالح" الذي يركز على ضحايا الجريمة والتعامل مع الأضرار الملموسة التي ألحقت بهم من خلال عملية غير رسمية للتوسط بين الطرفين. ويحاج أنصار عدالة التصالح بأنها تبلي بلاءً أفضل من المقاضاة في التعامل مع التوترات والمعضلات المرتبطة بالسياق الانتقالي وتعمل المنظمات الدولية والقادة السياسيون النظر في كيفية تصدير مبادئ عدالة التصالح والتجديد لاستخدامها في سياقات انتقالية جديدة.
    كيف يجب تقييم ممارسات ونظرية العدالة الانتقالية بشكل نقدي ؟ هذا هو السؤال الذي يوجه هذه الأطروحة. فقد استرعت محاكمات نورمبرج انتباه العالم لآثام كبار قادة النازي مثل هرمان جورنج وإدانتهم أمام هيئة دولية، وعلى الرغم من أن المحاكم الدولية المعاصرة ولجان الحقيقة لم تسترع إلا انتباهاً عالمياً أقل فإن المعلقين ركزوا على "الرؤوس الكبيرة" مثل "ميلوسوفتش".
    يتصل أحد التحديات الهامة لجهود العدالة الانتقالية بالطريقة التي يبرر بها مرتكبو الأعمال الوحشية بشكل ممنهج أفعالهم باعتبارها دفاعاً عن النفس، أو لضرورات الطاعة و الواجب، أو كضرورة سياسية. وكيف يمكن تمييز الدعاوى من هذا النوع عن أشكال النفي. وتعني صعوبة ذلك أن تركيز ونطاق التحقيقات الجنائية سيظل محل جدل محتدم في سياق الانتقال وأن جهود "إقامة العدل" في هذه السياقات ستصبح معقدة في العديد من وجوهها.
    فبداية تتأسس أغلب نظريات العدالة الجنائية على سياق من المعاني المشتركة فيه ينشأ الرد على الجريمة، لكن هذا بالضبط هو ما يفتقده السياق الانتقالي، والأهم أن إمكانات عملية إيجاد بنية مترابطة من دعاوى العدل في هذا السياق المتوتر غير المستقر محدودة جداً. فينطوي الانتقال السياسي بوجه عام على تهديدات من قبل المتورطين في الانتهاكات المرتكبة أيام النظام السابق، وربما لا يزالون يسيطرون على عناصر من المنظمات العسكرية وغير العسكرية، وبالإضافة إلى ذلك فإن أقساماً عريضة من الناخبين قد يفضلون نسيان الماضي ويتم التعبير عن هذا في شكل ضغوط على القادة المنتخبين حديثاً لتقديم رؤاهم وحلولهم الوسط في مسألة العدالة. إن الطريقة لتي تتم بها صياغة مفهوم العدالة أثناء فترة الانتقال كاستجابة للأعمال الوحشية الهائلة ستكون حذرة وبشكل ضمني كحل وسط، وستعبر المؤسسات الانتقالية عن أملها في مراجعة الحلول الوسط الانتقالية بمرور الزمن .
    وقد وجدت الأطروحة توتراً هاماً بين طقوس العقاب أو العفو التي تقوم بها هذه المؤسسات والتحقيقات التاريخية التي تجريها. وعليه تقدم الأطروحة رؤى نقدية هامة لمجموعة المخاطر والإسهامات المحتملة للجان الحقيقة والمحاكمات الانتقالية، والتي أهملتها التحليلات القانونية والمعيارية الأولى. فمن المخاطر الرئيسية أن السجلات التاريخية الناتجة عن مؤسسات العدالة الانتقالية والتي تعمل تحت شعار حقوق الإنسان قد تطبع التساومات الانتقالية مع العناصر الإجرامية والقمعية من النظام السابق بطابع الشرعية، ومع ذلك ثمة إمكانية أن تسهم السجلات التاريخية المنشأة في جهود تجاوز الطقوس الرمزية والتعبيرات والتمثلات المؤقتة للعدل في السياق الانتقالي لتقدم أساساً لنقد مستقبلي للتساومات الانتقالية.
    يقدم الفصل الأول رؤية عامة لمناظرات العدالة الانتقالية والمدخل المقترح لتقييمها ثم تنقسم الأطروحة إلى قسمين: يطور القسم الأول مدخلاً نظرياً لتقييم مشروعات العدالة الانتقالية بشكل نقدي اعتماداً على أعمال أربعة منظرين سياسيين استجابوا لمجموعة مشابهة من القضايا في أعقاب النازية ومحاكمات نورمبرج وهم "كارل ياسبرز" و"هانا أرنت" و"بريمو ليفي" و "تيودور أدورنو".
    يدرس الفصل الثاني مفهوم "الانقطاع عن الماضي"، ويبدأ باقتراح بأن المدخل النقدي للتفكير بشأن فكرة المصالحة لابد أن يبدأ ببحث عوائق الاتصال والتغير السياسي في أعقاب الفظائع الكبرى، ثم يقارن بين كتابات ياسبرز وأرنت وأدورنو حول الموضوع مركزاً على الكيفية التي قيم بها كل منهم التوتر الداخل في مراجعة أفكار المجتمع السياسي في السياق الذي استخدمت فيه مُثل المجتمع لتبرير ما ينظر إليه الآن على أنه فظائع وحشية.
    ويستكشف الفصل الأساليب التي استخدمتها الجهود العامة للانقطاع عن الماضي مثل المعاقبة وتسوية الحساب الفعلية والصفح لإبدال الاستجابات السياسة محل البوادر والإيماءات الرمزية الواهنة، ومن ثم الإنكار المشروع والتلافي. وباستخدام كتابات أرنت وأدورنو عن مفهوم والتر بنيامين لل"التذكر" يشير الفصل بأن دور الذاكرة الهام هو في تقديمها أساساً يمكن انطلاقاً منه رؤية العدالة والمجتمع السياسي فيما يتجاوز الإمكانات المحدودة المتاحة في الفترة الانتقالية.
    يدرس الفصل الثالث التوتر والشد والجذب بين هدف الحكم على أولئك الذين تورطوا في جرائم جرت بشكل ممنهج، وهدف فهم كيف ولماذا أصبح هذا التورط ممكناً، وذلك من خلال مقارنة مركزة بين أعمال أرنت وليفي الذين استجابا لهذا التوتر بطرق مختلفة تستبق وتتوقع المناظرات الحالية حول مزايا المقاضاة ولجان الحقيقة. ويركز هذا الفصل على أن هذا الاختلاف يجد جذوره في اختلاف تصورهما لإمكانية الاحتجاج المعنوي ضد الأعمال الوحشية، فتركيز ليفي على فهم خبرات الأفراد الذين وضعوا في مواقف وأوضاع مختلفة يحدد مفهوم المسئولية السياسية والمعنوية الذي استعاره القادة السياسيون ومؤيدو حقوق الإنسان من كتابات ياسبرز و أرنت
    ويدرس الفصل الرابع كيف يصبح الحكم القانوني والقيمي judgment ملائماً من الناحية السياسية في سياق يتسم بالصراع والانقسام والكراهية، ويشير الفصل بأن كتابات أرنت عن الحكم تقدم إطاراً هاماً لتقييم مشاريع العدالة الانتقالية الحالية، ويستخدم تفسير" بيتر يوبن" للحكم السياسي دون التسليم برؤيته عن المجتمع السياسي. ويشير هذا الفصل بأنه يمكن فهم الحكم السياسي بشكل أفضل بتمييز الأحكام السياسية عن الأحكام التاريخية.
    يرسم القسم الثاني من الأطروحة معالم تطور المداخل المعاصرة للعدالة الانتقالية، فيدرس كيف طورت شبكة من منظمات حقوق الإنسان أفكاراً واستراتيجيات لتعزيز العدالة الانتقالية ويتتبع الفصل الخامس تطور مدخل الملاحقة القضائية للعدالة الانتقالية من محكمة نورمبرج إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ولرواندا.
    ويشرح الفصل السادس كيف تطور مدخل العدالة التصالحية في سياق أربعة مراحل للانتقال في جنوب أفريقيا منذ النزعة النضالية في الثمانينات إلى تطوير وإدارة لجنة الحقيقة والمصالحة.
    وتبحث هذه الفصول هذين المدخلين الذين برزا عن نفس شبكة الأنشطة، وتصف الكيفية التي تحولت بها الأفكار حول العدالة والمصالحة والحقيقة. ويخلص الفصل إلى أن ظهور هذين المدخلين يمكن تتبعه إلى الاستجابات المتباينة للانتقال السياسي في الأرجنتين عام 1983 والصراعات حول الجهود الأرجنتينية لملاحقة انتهاكات حقوق الإنسان المقترفة أيام النظم السابقة قضائياً فبينما استجابت منظمات حقوق الإنسان لهذه الصراعات بالدعوة ل "واجب المقاضاة" وفق القانون الدولي وأيدت محاكمات محدودة لضرب الأمثلة استجابة للصراع السياسي، ناصر آخرون ومن أبرزهم القائد التشيلي "جوزيه زالاكِت" مساراً بديلاً للعدالة الانتقالية بالتأكيد على التفهم والصفح مع توثيق قصص الضحايا. وكان لهذا صداه في دوائر الناشطين في جنوب أفريقيا بميراثها الطويل من العدالة المجتمعية غير الرسمية والمنظمات التي دخلت في العملية الانتقالية والتي أدارها العاملون في المجال الديني و الصحة العقلية لا المحامون.
    يناقش الفصل الختامي الافتراضات الإشكالية في كل مدخل، والتي لن تكون واضحة إذا ما تم تقييم العدالة الانتقالية في علاقتها بمبادئ مجردة للعدالة أو معايير القانون الدولي، ولكنها تبرز عندما يتم بحث المدخلين كجهود نامية استجابةً للصراع المحلي والتورط في الانتهاكات.
    ويحاج هذا الفصل بأن قوة وضعف الملاحقة القضائية ولجان الحقيقة كاستجابات انتقالية للفظائع المرتكبة بشكل منهجي يمكن تقييمها في علاقتها بالدور السياسي والحكم التاريخي في كل نمط من الأنماط المؤسسية، فقانون حقوق الإنسان وجهود دعمها لا يجب اعتبارها أساساً لحل الصراعات الجوهرية أو تطوير نظام تأسيسي للعدالة بل كأساس للتحقيق والاستقصاء النقدي للمظالم التاريخية وللطرق التي من خلالها أصبحت المظالم والتفاوتات شرعية وغرست في نظام العدالة المؤسسي.
    ماضي ومستقبل العدالة الانتقالية :
    تأثرت نظرية وممارسات العدالة الانتقالية بشبكة مؤيدي حقوق الإنسان التي بدأت في تكريس الموارد والاهتمام بمؤسسات العدالة الانتقالية أعقاب التحول في الأرجنتين في 1983 حيث أصبحت منظمات حقوق الإنسان قادرة على التأثير على القواعد الدولية من خلال تطوير شبكات تعبئ المعلومات استراتيجياً وتسعى لا للتأثير على نواتج السياسات وحسب بل ولتغيير مصطلحات وطبيعة المناظرات نفسها، وقد نتج عن هذه الشبكات نهجان لصياغة مفهوم العدالة الانتقالية تُظهِر دراستهما أهمية مدخل التجديد واستعادة العافية، وتحديد بعض أشكال التعارض الناشئة في سياق الجهود الهادفة للمزج بين هذين المدخلين.
    أولاً : تم تطوير مدخل العدالة التصالحية على يد القادة الذين كان عليهم أن يأخذوا في الاعتبار قضايا حقوق الإنسان في سياق الحكم، بينما تَشَكَل مدخل المقاضاة بين مناصري حقوق الإنسان الذين عملوا باستقلال عن سلطة الدولة، وإن احتفظوا بتحالفاتهم وصلاتهم مع منظمات حقوق الإنسان المحلية وجماعات مناصرة الضحايا. لكن "جوزيه زالاكت" انتقد موقف مؤيدي هذا المدخل، وأعاد النظر في مفهوم المصالحة من منظور حقوق الإنسان، وحاج بأن الصراعات المحيطة بالمحاكمات في الأرجنتين هي علامة على القيود التي ترد على المقاضاة في سياق تغير النظام، وناصر لجان الحقيقة كبديل للمقاضاة يَحْكُمُ على جرائم الماضي ويعزز المصالحة في الوقت نفسه. وزالاكت هو أحد المدافعين ذائعي الصيت عن حقوق الإنسان، لكنه أيضاً مستشار الرئيس التشيلي "باتريشيو أيلوين" ومفوض لجنة الحقيقة والمصالحة التشيلية، وقد اتبع نهجه قادة جنوب أفريقيا، وقد تأثر مسعاهم لتطوير مدخل بديل بالكيفية التي سعى من خلالها هؤلاء القادة هؤلاء القادة بعمل موازنة بين الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والحلول الوسط الضرورية لتأمين التغير الديمقراطي.
    على أن تطور مدخل العدالة التصالحية لم يكن فقط نتاج نهج براجماتي، بل تأثر أيضاً بالتأكيد على العدالة الاجتماعية بين قادة جنوب أفريقيا، كما تأثر بأفكار معينة ارتبطت بالكفاح ضد سياسة الفصل العنصري (الأبارتهايد ) وأهمها: العقائد السوداء، ومحاكم الشعب في المدن والتي ضَمَّنت نقد المبادئ الرسمية للعدالة في مقاومتها لسياسة الفصل العنصري، وربطت العدالة الاستجابية غير الرسمية بالتغير الاجتماعي، وخلال عملية التفاوض في جنوب أفريقيا حاج القادة ممثلو المؤتمر الوطني الأفريقي بأن المقاضاة ليست مثيرة للانقسامات من الناحية السياسية وحسب، بل ومحدودة القيمة قياساً إلى أهداف العدالة الاجتماعية والقدرة على تلبية حاجات الضحايا.
    لكن العدالة التصالحية ليست مجرد نتاج لحلول تساومية أو جهود لشرعنة الحلول الوسط، بل تطورت كمدخل نظري بديل لخوض غمار توترات السياق الانتقالي، تماما مثلما كما كان على مؤيدي مدخل المقاضاة أن يطوروا طريقة للتعامل مع الانقسامات السياسية والصراعات الناشبة بفعل المقاضاة الانتقالية.
    تتضح أهمية وبروز نقد جنوب أفريقيا لمدخل المقاضاة من الكيفية التي جرى بها تصدير مبادئ التصالح المرتبطة بلجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا إلى أقطار لا تزال الملاحقة القضائية جارية فيها، وتثير هذه التطورات التساؤلات حول الجهود الجديدة لمزج عناصر من مدخلي العدالة الانتقالية، ويقف القاضي رتشارد جولدستون في وضع فريد من حيث مساعدته في تطور لجنة الحقيقة والمصالحة والمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، حيث عين بوصفه قاضياً رئيساً للجنة الحقيقة للتحقيق في أحداث العنف التي جرت خلال عملية التفاوض في جنوب أفريقيا. وكان لنجاح اللجنة أثره البالغ على قرار إنشاء لجنة الحقيقة وبعدها أصبح جولدستون أول مدع عام في المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، وهي الوظيفة التي اقتضت منه صرف قدر كبير من جهده لحشد الدعم لها، وبعدها عاد إلى جنوب أفريقيا لينضم لهيئة المحكمة الدستورية ويصر جولدستون أن مدخل جنوب أقريقيا للعدالة الانتقالية لا يتعارض بل يتمم عدالة التقاضي فالمحاكم يمكنها إرساء المسئولية الفردية بإظهارها أن مرتكبي الجرائم المرعبة لابد وأن يدفعوا الثمن، لكن لجان الحقيقة تناسب بشكل أفضل مهمة مساعدة مجتمع مدمر في الوصول لفهم أعمق لأسباب معاناته فنطاق التاريخ أوسع من إثبات التهمة على قلة معينة من الأفراد.
    وقد تأثرت البوسنة بخبرة جنوب أفريقيا ودعم معهد الولايات المتحدة للسلام إنشاء لجنة للحقيقة في البوسنة التي يرى" جاكوب فينسي" رئيس رابطة مواطنين من أجل الحقيقة والمصالحة أنها ستحسن العلاقة بين الجماعات العرقية، وأن عمل المحاكم لم يكن له تأثير يذكر على رواية الأطراف المختلفة للتاريخ والتي لا زالت تصف أبناء الجماعات الأخرى على أنهم أعداء ألداء، بما قد يمهد لصراع جديد. ويحاج جاكوب بأن اللجنة ستعالج هذه المشكلة من خلال "عدالة تضميد الجراح".
    إن تطورات العدالة الانتقالية في أقطار جنوب أفريقيا ويوغوسلافيا السابقة وسيراليون وغيرها تبرز القيود التي ترد على كلا المدخلين: المقاضاة، و التجديد والتعافي. كما أن المنظور التاريخي يظهر صعوبة التوفيق بين المبادئ والمقدمات المتعارضة في كلا المدخلين. فهما ينطويان على أفكار متعارضة حول معنى ودور حقوق الإنسان الدولية فمدخل المقاضاة يشتق مبادئ العدالة من معايير حقوق الإنسان الدولية الرسمية، ويدعم المحاكمات الدولية كوسيلة لتقديم شكل من أشكال تعليم مبادئ حقوق الإنسان العالمية للناس المتورطين في صراع محلي في حين يستخلص منهج التصالح والتجديد مبادئ العدالة من القيم التقليدية والمجتمعية، ويسعى مؤيدوه لتطوير أساس لحقوق الإنسان عابر للثقافات من خلال إعلاء مفهوم الكرامة الإنسانية المرتبط بحقوق الإنسان، مع إيلاء وزن أقل للحقوق الفردية.
    ومن ناحية أخرى فإن المدخلين يقومان على أساليب متعارضة لفهم الصرع والمسئولية فمدخل المقاضاة يقوم على تصور قانوني بأنه يمكن حل الصراع من خلال الالتزام بقواعد اصطلاحية formal ويميل مؤيدوه لرؤية أن السبب الأساسي للأعمال الوحشية الممنهجة هو الإفلات من العقاب. أما مدخل العدالة التصالحية فيقوم على رؤية أنه يمكن التعامل مع الصراع من خلال جهود القضاء على الألم والمعاناة والكراهية التي سببتها انتهاكات الماضي، ويميل مؤيدوه إلى تحديد الاستجابة المعنوية والمعاناة - وليس غياب العقاب - كأهم أسباب الانتهاكات التي تجري بشكل منهجي. وقد أثارت الطرق المختلفة التي فهم بها المدخلان الصراع طرقاً مختلفة أيضاً لصياغة مفهوم المسئولية، فمدخل المقاضاة يعزو المسئولية لأفراد معينين عن اقترافهم أعمالاً معينة تنتهك القواعد، في حين أن مدخل التصالح يعطي الأولوية لإقامة مسئولية جماعية لمواجهة تبعات وتداعيات جرائم الماضي، ولابد من أخذ هذه المبادئ المختلفة والمتضاربة في الاعتبار لدى محاولة المزج بين المدخلين .
    افتراضات إشكالية لكلا المدخلين
    يرى "ميتشل إجناتييف" أن أغلب جهود مناصرة لجان الحقيقة والمحاكم الجنائية الدولية تقوم على "بنود عقدية " مثل فكرة أن "الحقيقة مؤكدة و لا تقبل المنازعة حولها"، وأنه لدى معرفة الجميع بها تصبح لها قدرة مداوة الجراح والمصالحة، وبالمثل تحدد الأطروحة مجموعة من الافتراضات لهذين المدخلين للعدالة الانتقالية يمكن اعتبارها مبادئ عقدية، وتسعى لدراسة تضميناتها من خلال تتبع تطورها.
    فكلا المدخلين التجديدي ومدخل المقاضاة يتشاركان مجموعة من المشكلات على ما بينهما من تعارض، فكلاهما تطور عبر تقديم حجة مؤيديهما للاستجابة للصراع الكثيف على حساب كيفية تحديد محور تركيز ونطاق التحقيقات الجنائية، وفي كلا المدخلين أدى هذا بمؤيديهما للاعتماد بشكل متزايد على البعد الرمزي للعدالة كأساس لا لتجاوز الصراع وحسب، بل ولحله أيضاً فمؤيدو المقاضاة الانتقالية استجابوا للصراعات على حساب جهود إجراء التحقيقات الجنائية من خلال التركيز على جرم الأفراد واقتراح أن العدالة الدولية تتجاوز النضالات المحلية للوصول للسلطة، وتيسر المصالحة الوطنية. واستجاب مؤيدو مدخل التصالح للصراع السياسي بالتأكيد على أن الهدف المشترك ب"تضميد الجراح" سيقدم أساساً للعدالة والمصالحة معاً، لكن الدعاوى النظرية الخاصة بالآثار الاجتماعية للإدانة والعقاب وكذا الداعمة لعدالة التصالح والتجديد تتأسس على مقدمات تتصل بوجود سياق من القيم والتوقعات المشتركة بينما يعتمد مؤيدو العدالة الانتقالية على افتراض أن البعد الرمزي للعملية سيحول الاتجاهات والمعتقدات لتولد قيماً مشتركة.
    لكن الحال ليس كذلك ففي ألمانيا والأرجنتين والبلقان نبذت قطاعات عريضة من السكان شرعية المحاكمات الجنائية القائمة على معايير قانونية دولية وفي جنوب أفريقيا نبذت القيادات السياسية المرتبطة بالأبارتهايد شرعية لجنة الحقيقة والمصالحة باستثناء أحكام العفو وهو ما وافقهم فيه غالبية السكان البيض.
    ثمة مشكلة أخرى تتعلق بإهمال هذا الطرح رؤية إمكانية تيسير الأعمال الرمزية لتجنب التفكير الأخلاقي والسياسي الذي يرد على جرائم الماضي. فقد لاحظ "ياسبرز" و"أدورنو" و"أرنت" أن الجهود العامة لتكريس الانقطاع عن الماضي قد تعمل على تغييم الكراهية المستمرة وامتدادات الماضي المستمرة. وقد ظل مؤيدو لجان الحقيقة والمحاكم الجنائية إلى حد ما غامضين بشأن هذه المسألة، فعلى الرغم من ادعائهم بأن الرسالة الرمزية للعدالة الانتقالية ستولد تحولاً سياسياً واجتماعياً أوسع، فإنهم اعتمدوا على غموض الدعاوى الرمزية كاستجابة استراتيجية للصراع الكثيف أكثر من اهتمامهم بكيفية الحكم على الماضي، وهذا يقوض منطق المدخلين لربط العدالة الانتقالية بحل الصراع والمصالحة الوطنية، كما يقوض الدعاوى الأخلاقية على جانب كلا المدخلين.
    وتفاقمت هذه المشكلات بتجاوز المدخلين للعديد من القضايا، فهما وضعا مبادئ متجاوزة لتخدم كأساس للعدالة الانتقالية لكنهما أهملا رؤية الدور الذي تقوم به الحلول الوسط السياسية في تأطير الكيفية التي تحكم بها المؤسسات على الماضي لذلك خلط مؤيدو المدخلين التنازلات السياسية والحلول الوسط ب"المصالحة الوطنية" بما أدى بمؤيدي العدالة الانتقالية للمبالغة في أهمية الدور الذي تضطلع به هذه المؤسسات في تحويل العلاقات السياسية والاجتماعية.
    ومع الأخذ بهذه المشكلات المشتركة في الاعتبار، يمكن تحديد مشكلات خاصة بكل مدخل فأحد الافتراضات الإشكالية لمدخل المقاضاة أن المقاضاة الدولية تحمي وتحصن العدالة من النضالات المحلية، الأمر الذي أدى إلى إهمال فهم كيف تتقاطع المحاكمات الدولية مع الاهتمامات المحلية. وتشير الحالات الدراسية التي تناولتها الأطروحة أن الصراعات المحلية أثرت على طرق تأطير التحقيقات، وعلى الطرق التي تم بها تفسير محاكمات الأفراد. وقد عقًّد هذا دور العدالة الدولية كاستجابة للنضالات المحلية، كما أضعف إهمال هذه العوامل الحجج المطروحة لصالح مدخل المقاضاة. فعلى سبيل المثال، دعا النداء العاجل الصادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان للمحاكمة " عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية " دون تحديد واضح لمن هذا الذي ستتم محاكمته، وعن أية جرائم ضد الإنسانية تحديداً، وخلال أية فترة زمنية، فلو جرى اتخاذ قرار بمحاكمة أمراء الحرب دون التعامل مع مسألة معاملة "طالبان" للمرأة - وهي جريمة لم تذكر في النداء العاجل المشار إليه- فسيكون لذلك تضميناته الخطيرة للدعاوى الأخلاقية لهذه المحكمة. إن قراراً بمن ستجري محاكمته وعن أية جرائم سيتأثر بجهود منع الصراعات والأعمال العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في هذه الدولة. ويثير هذا تساؤلات حول الدعوى بأن مدخل المقاضاة الدولية يسمو بشكل متأصل على البدائل الأخرى، هذه الدعوى التي تتأسس على مقولة أن المحاكمات الدولية تتجاوز تسويات الحلول الوسط بصورة لا تستطيعها لجان الحقيقة والتعويضات.
    أما بالنسبة لمدخل التجديد والتعافي، فيلاحظ أن خطط تطوير لجان الحقيقة في سيراليون والبوسنة قد أدمجت فيها التركيز على تضميد الجراح المأخوذ بشكل غير نقدي عن جنوب أفريقيا، لكن هذا الطرح بدوره يعاني العديد من المشكلات أولها: أن قادة جنوب أفريقيا أرسوا فكرة الحقيقة الشافية على جهود لمقاربة عملية الوساطة غير الرسمية والتي تمثل محور عدالة التصالح والتجديد، لكن هذه العدالة وغيرها من أشكال العدالة غير الرسمية تفترض مجتمعاً له قيمه المشتركة التي ترشد وتوجه هذه العملية وفي غياب مثل هذا المجتمع فإن التركيز على المعالجة والتضميد قد يشوش ويُغْمي المظالم والصراعات بدلاً من أن يواجهها .
    وثانياً فإن هدف مداواة الأفراد ومرتكبي الفظائع من خلال الشهادات لا يتفق وجهود لجان الحقيقة لتقصي المسئولية عن جرائم الماضي. انتقد خبراء الصحة العقلية داخل جنوب أفريقيا الافتراض بأن لخبرة الشهادة تأثيراً علاجياً على الأفراد ناهيك عن الدولة بأكملها، كما فسر البعض المفهوم التقليدي للعدالة في جنوب أفريقيا بأنه مخادع و – بشكل غير مقصود – عنصري، فالأغلبية السوداء في جنوب أفريقيا ترغب في الصفح عن آثام الماضي لأنها مضطرة لذلك وفق المفهوم التقليدي للعدالة.
    إن المبادئ العقدية التي تؤثر على مناصرة العدالة الانتقالية المعاصرة إشكالية لا لأنها تتجاهل حدود الحقيقة في حَلّ الصراع، وإنما لإنها تؤدي أيضاً إلى تجنب الدور الذي يقوم به الصراع ، والحل الوسط ، وعدم المساواة كسمات تميز السياقَ الإنتقاليَ في تحديد السجلات الرسمية التي تقوم على إخراجها هذه المؤسسات. وقد أدى الميل للتَركيز على بنودِ العفو والقيمةِ الرمزيةِ للعقابِ بالمُحامين والعلماءَ على حدّ سواء لإهْمال إمكانيةِ إمكانية ِأَن توفر هذه الأحكامِ والسجلاتِ التاريخيةِ أساساً لتقييم تسوياتِ الحلول الوسط الإنتقاليةِ بشكل نقدي. وفي الوقت نفسه ،أهمل النقاد خطر قيام هذه الاحكام التاريخية بشأن المحاكم الجنائية ولجان الحقيقةِ بوَضِع طابع الشرعيةِ على تاريخ انتقائي فتَمْنعُ بذلك إعادة التقييمِ النقدي لشروطِ الانتقال. يَتطلّبُ التقييمُ النقدي لهذا البُعدِ مِنْ أبعاد مشاريعِ العدالةِ الإنتقاليةِ انتباها إلى الكيفية التي تؤطر بها الأحكام السياسية الناتجة في سياق انتقالي الأحكام التاريخية.
    مقارنة مؤسسات العدالة الانتقالية بذلك
    من خلال عرض بعض الافتراضات الإشكالية في كل من مدخل المقاضاة ومدخل العدالة التصالحية للعدالة الانتقالية تشير الأطروحة بأنّ بعض الاختلافات المتصورة بينهما مُضَلِّلة فلا تعني العدالة العدالة التصالحية بالضرورة تعزيز "الشفاء" على الصعيد الوطني أو على الصعيد الفردي. ولا توفر عدالة المقاضاة بالضرورة إدانة أخلاقية واضحة لجرائمِ الماضي ولا تَرْدع تكرارَها في المستقبلِ. بأي معنى إذن يختلف المدخلان ؟
    إن أحد السبل الهامة للبحث في هذه المسألة يتمثل في النظر في كيفية عمل الطرق التي يتم بها ربط الرموزِ والطقوسِ بالعدالة الانتقالية في سياقات مختلفة وعند نقاط مختلفة في عملية الانتقال السياسي ان الحكومة الجديدة يمكن ان تدعو الى المصالحة واصدار العفو الخاص دون القلق من ان هذه الاحكام من شأنها ان يتلاعب من اجل استعادة السلطة الشرعية أو من قبل النظام.فقد كان توازن القوى في الانتقال الجاري في جنوب افريقيا بحيث أمكن للحكومة الجديدة ان تدعو الى المصالحة ووأن تصدر العفو دونما قلق من أن يتم التلاعب بهذه الاحكام ليَستردَّ النظام السابق القوَّة أَو الشرعية ولكن ، لم يكن هذا هو الحال ، على سبيل المثال ، في سيراليون حيث قَبلَ قائد المتمردين Foday Sankoh فوداي سانكوح العفو كبادرة للمصالحةِ ثم واغتنمه كفرصة لشن هجوم جديد على الدولة.
    وتقترح الأطروحة أساساً آخر لمُقَارَنَة مؤسساتِ العدالةِ الانتقالية بالنَظْر إلى الكيفية التي تُطوّربها أحكاماً تاريخية، وتقدم نقطة انطلاق لدراسة بعدين مِنْ أبعادِ هذه المقارنةِ أولاً، أن الأحكام التاريخية التي اصدرتها لجان تقصي الحقائق والمحاكم تقدم أشكالاً مختلفة الاحتجاج الأخلاقي والسجلات التي تقوم بوضعها توفر اساسا لمختلف الاستجابات النقدية لفظائع الماضي ثانياً أن جميع مؤسسات العدالة الانتقالية وإن كانت تتأثر بتسويات الحلول الوسط السياسية فإنها تتأثر بطرق مختلفة لابد من أخذها في الاعتبار لدى المقارنة محاولة والجمع بينها.