عمرانيات

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني بالبحث والترجمة الزائر الكريم: تفضل بزيارة مدونتي الأخرى Mnzoor.blogspot.com Alkasd.blogspot.com

الاثنين، يوليو ١٣، ٢٠٠٩

العلاقة بين المناخ التنظيمي والثقافة التنظيمية

  • Alkasd my other blog
  • ثمة قدر كبير من الخلط المفاهيمي بين الثقافة التنظيمية والمناخ التنظيمي في الأدبيات حتى أنها في بعض الأحيان تضمنت استخدام المفهومين دون تمييز، وكان هذا الخلط هو ما حدا ببعض الباحثين إلى القول بأن الاختلاف الحقيقي بين الثقافة والمناخ هو اختلاف بشأن الأساس النظري ومنهجية البحث والتفسيرات المطبقة على الظاهرة محل التحليل وليس اختلاف الظاهرة المبحوثة. وقد خلص "دنيسون" (1996) أن مجالي الدراسة هذين " يعالجان ظاهرة مشتركة هي خلق والتأثير على السياقات الاجتماعية في المنظمات" على مستوى مجرد قد تبدو النقطة التي أثارها دنيسون دقيقة لكن الدراسات التي أجريت عن الثقافة والمناخ كانت بؤرة تركيزها مختلفة تماماً إذا أخذنا في الاعتبار مستويات الملاحظة والقياس. فالاختلافات في التركيز على جوانب معينة " للسياقات الاجتماعية " في المنظمات في الدراسات المصممة جيداً هي التي تميز دراسات المناخ عن دراسات الثقافة.
    ويبدو وجود علاقة متبادلة ومعقدة بين الثقافة والمناخ أمراً حتمياً برغم عدم وجود شواهد إمبريقية كثيرة على ذلك، فعلى سبيل المثال فإن النظم العقدية التي ينظر إليها على أنها محورية في المناخ التنظيمي مشتقة من نظم القيم السائدة، لذا لابد وأن تكون مرتبطة بشكل ما بالثقافة التنظيمية، وعليه فإن ثمة نوع من التبادلية بين المناخ والثقافة بحيث يمكن استنتاج الثقافة التنظيمية من الملامح السلوكية للمنظمة كما تتجلى في المناخ التنظيمي.

    إن دراسة العلاقة المحددة بين الثقافة والمناخ تبدأ بالتصورات الفعلية للأحداث التنظيمية مصاغة في الأبعاد التي حددها "كويز" و"ديكوتيز" وليس بتفسير الأفراد لهذه الأحداث. وللقيام بذلك فإن دراسة هذه العلاقة تستدعي مقترباً كيفياً يتم فيه تحليل معنى المستويات المختلفة من الخطاب الذي يمكن أن يجري باستخدام مواقف المقابلة الموسعة مع كبار أعضاء المنظمة. ويقودنا هذا السبر العميق لإظهار افتراضات وإدراكات ومشاعر الثقافة التنظيمية على السطح إلا إنه لا يكشف إلا عن جزء منها. وثانياً - وهو المهم - هو إمكانية دراسة التبادلية بين نفس هذين المتغيرين.
    اعتبر "بول" المناخ عِوَضا (بديلاً) إمبريقيا لمصطلح الثقافة وخلص إلى أن المناخ يبدو أحد ملامح وليس بديلاً للثقافة، فيمكن النظر للمفهومين على أنهما متمايزان وأن كلاً منهما دالة في ورد فعل للآخر. وعلى الرغم من أن مفهوم الثقافة التنظيمية ليس جديدا وأنه يمكن ربطه بأصوله الأنثربولوجية ("سمرميش" و "كالاس" 1987) فإنه كمتغير تنظيمي أقصر تاريخاً من المناخ إلى حد ما.
    يعرف "سكين" الثقافة بأنها " التعلم التراكمي المشترك لجماعة معينة الذي يغطي العناصر السلوكية والانفعالية والإدراكية لعمل الوظيفة النفسية لدى أعضاء الجماعة" وبهذا الوصف اعتبرت الثقافة تمثل التعلم التراكمي لأعضاء الجماعة، وتتشكل الثقافة بقيم القادة التي توجه وتؤثر على تطورها بشكل انتقائي. وبشكل عام فإن مفهوم الثقافة التنظيمية يبدو من أوجه عدة أكثر انتشاراً من المناخ، فكما لاحظ "سمرميش" و" كالاس" فإن أدبيات الثقافة التنظيمية مليئة بالرؤى المتنافسة والمتعارضة غالباً. فالأصوات الوظيفية والتفسيرية والنقدية تتحدث جميعها في الوقت نفسه عاكسة رؤى متباينة للعالم ونظريات معرفية متباينة. وتقر هذه الدراسة بتأثير عالم الأنثربولوجي "جريتز" الذي شبه الثقافة بشبكة مشيراً إلى أن "الإنسان حيوان معلق في شبكات دلالة من نسجه هو" لذا فإن تحليل الثقافة هو بحث تفسيري عن المعنى ضمن أنماط الخطاب الرمزي.
    ثمة العديد من أوجه التشابه بين الثقافة التنظيمية والمناخ التنظيمي برغم أن العديد من الباحثين يرفضون مقولة أنهما مترادفان. لكن نظراً لاشتراك المتغيرين في عدد من السمات المتداخلة فإن المسافة بين الثقافة والمناخ ليست بعيدة كما قد تبدو لأول وهلة، فكما يرى "آشفورث" فإن الخطوة المفاهيمية من الافتراضات المشتركة (الثقافة) إلى التصورات المشتركة (المناخ) ليست بالاتساع الذي قد تبدو به".
    ويركز باحثون آخرون على ما يرونه أهم الاختلافات بين الثقافة والمناخ، فبعض الباحثين في تمييزهم بين الثقافة والمناخ التنظيمي يشيرون بان الثقافة تدوم وتصمد عبر الزمن في حين أن المناخ هو تقييم لهذه العناصر في لحظة معينة، لذا فإن الثقافة بالنسبة لهؤلاء الباحثين هي متغير تنبوئي يؤثر على سلوك أعضاء المنظمة ويفرض عليه القيود. أما "جليك" فيرى أن الاختلافات ستبقى بسبب اختلاف الاقترابات المنهجية، فالمناخ بأصوله الممتدة في مدرسة "فيوين" في علم النفس الاجتماعي - ومن ثم في النموذج المعرفي الموضوعي - تستخدم لدراسته الاستبيانات لتقييم تصورات الأعضاء للأحداث التنظيمية مباشرة. لكنه لا يحاول تفسير معنى هذه الأحداث أما الثقافة فإنها بنزعتها السوسيولوجية (إلى علم الاجتماع) فتعتمد على المنهجيات الكيفية وفي الغالب المستقاة من منظور التفاعل الرمزي لكشف الافتراضات المشتركة المحيطة بالأحداث التنظيمية. ومع التسليم بأن مفهومي الثقافة والمناخ لا يغطيان نفس المدى فإن محور التركيز الأساسي لهذه الدراسة هو بحث طبيعة ومدى التبادلية بين هذين المتغيرين التنظيميين المهمين.
    إن أصول النموذج التفاعلي والتكاملي للثقافة والمناخ تمتد إلى "ترنيبسيد" (1988) الذي حدد عدداً من العوامل التي تحدد فعالية المناطق التعليمية المختلفة، وتم استخدام مقياس بيئة العمل (WES) لتقييم المناخ التنظيمي في أكثر المناطق التعليمية فعالية مقارنة بالمناخ في أقلها فعالية. وتشمل الأبعاد التي قيست بمقياس بيئة العمل: دعم المشرفين، والاستقلالية، وترابط زملاء العمل وضغوط العمل، والابتكار ومن بين الأبعاد العشرة المقيسة كان تسعة منها أعلى في النظام الأكثر فعالية. ولاحظ "ترنبسيد" أن هذه الملامح تتفاعل مع العوامل الثقافية المختلفة في المنطقة التعليمية مثل سياسات الإدارة والمعايير السلوكية، فعلى سبيل المثال وجد أن الثقافة التنظيمية الضعيفة والجدباء - والتي تنعكس في وجود قواعد مقِيدة ومفصَّلة كثيرة وفي ظل وجود توجه نحو الإذعان والافتقار للأهداف العملية – هي سمة أوضح في أقل المناطق فعالية. بل وكانت هناك مستويات أكثر في التدرج الإداري الهرمي في المناطق الأقل فعالية، وهو عامل بحد ذاته يجعل من إدارة المناخ التنظيمي أمر عسيراً لأنه يباعد بين المديرين والموظفين في المستويات الدنيا في المنظمة. وأخيراً فإن النظام الأكثر فعالية يولي قيمة أكبر للابتكار الذي تراه هذه الدراسة أحد أبعاد المناخ التنظيمي، وبصورة مشابهة فإن المناخ التنظيمي في أكثر النظم فعالية أكثر دعماً وأقل سيطرة وهو ما يعكس قيماً ترتبط عادة بالجانب الثقافي لممارسة المديرين.
    ينظر للمناخ التنظيمي على أنه مفهوم قابل للمعالجة الكمية (للتكمية) في حين أن الثقافة التنظيمية كيفية بطبيعتها، ولذا فإنها أقل تعينا، إلا أن المفهومين مترابطان بشكل متبادل، ومن ثم فإن "ترنسبيد" يدعم نموذجاً تفاعلياً وتكاملياً للثقافة التنظيمية، فثمة حاجة للإقرار بأن المناخ التنظيمي كما يتشكل بالثقافة فإنه قادر بشكل متزامن على تشكيل الثقافة، واقترح "ماكسويل" و"توماس" "تعايشاً سلمياً" بين المناخ والثقافة، وقد بحثا العلاقة بين المتغيرين في الأوضاع المدرسية. وفي البداية كان ثمة اعتقاد بأن المناخ – كما يظهر من الاستعارة اللغوية – مصطلح أكثر ملاءمة لأنه يسمح للناس بان يحسوا لا أن يفهموا مناخ المدرسة. ومع التسليم بأن المناخ يمكن استنتاجه فإن له تعبيراته الملموسة مثل ارتداء الزي المدرسي، هذه التعبيرات التي اعتبرها الباحث تغطي نفس نطاق أوجه الثقافة. وقد وجد "أوريلي" و "كالدويل" شواهد إمبريقية على أن ثمة عوامل ضمن شكل (بروفايل) الثقافة التنظيمية تشبه في العديد من الوجوه أبعاد المناخ التنظيمي التي حددها "كويس"و "ديكوتايز"(1991) فعلى سبيل المثال كشفا عن عوامل مرتبطة بالابتكار والدعم والتقدير والتوجه للعمل كفريق ( التماسك). وثمة شواهد أخرى على توافق الثقافة والمناخ أظهرتها دراسة "هوفستيد" وزملائه الذين وصفوا تجليات الثقافة من خلال نموذج ورق البصل حيث يتم كشف الثقافة بتقشير الطبقات المتتالية من القشرة وقد قدم "هوفستيد" وزملاؤه شواهد لإظهار – إمبريقياً- كيف أن الممارسات اليومية تعكس جوهر ثقافة المنظمة، واعتبروا ذلك شاهداً آخر على التوافق بين المناخ و الثقافة.
    إن ما اعتبره هوفستيد وزملاؤه ممارسات يراه "ساكمان" متضمناً في نموذج قمة جبل الجليد ويفهم "روسو" الثقافة على نحو مشابه لنموذج ورق البصل قائلاً بإمكانية دراسة هذه الطبقات المختلفة. فمن الخارج توجد الأعيان المادية، وهي أقرب تعبيرات الثقافة منالاً وأشدها ظهوراً ومن ثم أكثرها موضوعية (على سبيل المثال الممارسات التنظيمية) في حين توجد في المركز الافتراضات الأساسية التي تشكل جوهر الثقافة التنظيمية الأكثر ذاتية والأقل قابلية للنفاذ إليه ورؤيته. وفيما بين هاتين الطبقتين توجد اتجاهات الناس وقيمهم ومعتقداتهم التي تتسم بالتوسط من حيث الموضوعية وإمكانية النفاذ إليها.
    إيجازاً يمكن القول كما حاج " "آشفورث" (1985) بأن مفاهيم الثقافة التنظيمية والمناخ تقع على نفس المستمر حيث المناخ أشد توطداً في الوعي الفردي في حين أن الثقافة معتقدات معتنقة بشكل ضمني ولاواعية إلى حد كبير. وتساعد المفترضات الثقافية والقيم المشتركة ففي تحديد الخبرات المهمة من الناحية النفسية ( على سبيل المثال التقدير والاستقلالية والدعم) والأهم بالنسبة لـ" آشفورث" أن الثقافة تقدم وسائل ليضفي أعضاء المنظمة معنى على خبراتهم وهذه نقطة مهمة لأنها تمهد الأرض لمفهومنا للعلاقة بين المناخ التنظيمي والثقافة.
    تلجا دراسات الثقافة التنظيمية والمناخ التنظيمي بشكل نمطي إلى منهجيات مختلفة لفحص سماتهما الجوهرية، لذا يمكن المزواجة بين التقنيات الكمية والكيفية، ففي حين يمكن مسح المناخ التنظيمي بالاستبيانات يمكن استعمال مقترب استقرائي للنفاذ للثقافة وعمليات صنع المعنى المؤسسة لها. ويجد منطق استخدام مقترب كيفي للكشف عن الثقافة أساسه فيما ارتآه "سكين" من أنه لا يمكن إدراك تفسيرات أعضاء المنظمة للأحداث المهمة دون مراجعة هؤلاء الأعضاء.
    وفي هذا الصدد تشكل الثقافة المناخ من خلال مساعدتها الأفراد في تقرير ما هو المهم في خبراتهم وتجاربهم. وتدعم نتائج هذه الدراسة رأي "بول" بأن الثقافة هي التعين المادي للمناخ ببيانها أن المناخ "منتج ثقافي ليس موضوعياً ولا ذاتياً بل يوجد ما بين الذوات" واتساقاً مع المقترب الذاتي بأن أي من المفهومين لا يمكن أن يوجد بمعزل عن تصورات الأفراد فإن الأفراد هم حملة الثقافة في المنظمة والتوافق بين إدراك تجليات الثقافة السلوكية هو ما يقدم المادة الخام لتكون مناخ المنظمة.
    يمكن التمييز بين المناخ التنظيمي والثقافة التنظيمية بصياغة المفهومين على النحو التالي: تختص الثقافة التنظيمية بالافتراضات والعقائد التي تشكل القيم والاتجاهات والمعايير السلوكية التي طورتها المنظمة ويشترك أعضاء المنظمة في التصورات الخاصة بالقيم والاتجاهات ومعايير السلوك ويمكن تحديد اتفاق مجمل بين المبحوثين حتى مع وجود تباينات كبيرة بين الثقافات الفرعية.
    والتصورات المتصلة بالمناخ التنظيمي هي أيضاً مشتركة، لكنها يمكن تمييزها عن الافتراضات والعقائد والقيم ومعايير السلوك فالمناخ يهتم بتصورات الأفراد للجوانب المختلفة لبيئة العمل الواقعية والكيفية التي تؤثر بها البيئة عليهم. إن تصورات الأفراد النفسية عن بيئات عملهم مشتركة بين أعضاء المنظمة وتشكل المناخ التنظيمي.