عمرانيات

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني بالبحث والترجمة الزائر الكريم: تفضل بزيارة مدونتي الأخرى Mnzoor.blogspot.com Alkasd.blogspot.com

الأربعاء، ديسمبر ١٠، ٢٠٠٨

تبديد النص: الجابري قارئاً لابن خلدون

  • Alkasd my other blog
  • توطئة
    ليس من شأن هذا المقال أن يعرض الأفكار الرئيسة التي تناولها د. محمد عابد الجابري في كتابه: فكر ابن خلدون ، العصبية والدولة ، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، فمهما حاول فلن يكون إلا إعادة إنتاج أو حاشية سيئة على متن جيد الخدمة، كما أن هذا لن يفيد في محاولة تلمس القراءة المنهجية لإسهامات أعلام الفكر السياسي الإسلامي بوصفها كذلك، فالأهم هو بالوعي بمنهج القراءة وإشكالاته وطريقة تحليل النص، وتزداد هذه الأهمية عندما يكون القارئ هو المفكر المغربي "الجابري"، لا لاحتفاء المغاربة الخاص بابن خلدون وحسب بل للتكوين الفكري للجابري الذي جعله معايشاً لكتابات ابن خلدون في المقدمة التي قرأها - كما يذكر-عشرات المرات على مدار عشر سنوات هي وغيرها من كتابات ابن خلدون ومثابرته وجده في متابعة كل ما يكتب عن ابن خلدون قدر الإمكان، الأمر الذي جعله يحس بضرورة أن يقف وقفة منهجية مع هذه الكتابات ليكون كتابه نقطة نظام في خضم هذه الدراسات الخلدونية "، " فالدراسات الخلدونية أصبحت اليوم في حاجة ماسة إلى عملية تصحيح تعود بالفكر الخلدوني إلى إطاره الأصلي ويحتفظ له بكليته وهويته الحقيقية"
    منهج القراءة
    ربما كان الوعي بمسائل المنهج أهم ما يميز الجابري الذي يحدد منهجه في قراءة ابن خلدون وتقديم آرائه كما هي أو كما فكر هو فيها انطلاقاً من نظرة شمولية تحرص على تجد للأجزاء مكانها في الكل حرصاً على النظر إليها على ضوء مشاغله الشخصية وتجربته الاجتماعية، وعلى اعتبار أنها امتداد وتطور لمنازع الفكر العربي السياسي والاجتماعي منه خاصة (ص.10) فهو منهج يجمع بين قراءة النص وقراءة تجربة ابن خلدون السياسية والاجتماعية والعلمية باعتبار أن الظاهرة الخلدونية تكشف عن مسالك النظرية أو النص ، والنظرية توضح أبعاد الظاهرة تعبيراً عن امتزاج الفكر بالممارسة امتزاجاً قوياًَ وخاصاً هو سر عبقرية ابن خلدون ومنبع أصالته، والهدف من قراءة ابن خلدون بهذا المنهج ليس تجميده في إطار عصره بل استنطاقه لرسم معالم نظرية في التاريخ الإسلامي يمكن أن تضيف لفهمنا للإشكاليات التي تواجه الفكر العربي اليوم، ولا يتأتى ذلك بالتأكيد على طرافة ابن خلدون أو ريادته على ضوء الفكر الحديث والمعاصر، ولا بتجزئته أفكاره وتنازعها بين التخصصات العلمية الحديثة، كما لا يتأتى بالتأويل الواسع لابن خلدون بما لا تحمله كتابات ابن خلدون.
    الكتاب يظهر من عنوانه؟
    إذا كانت هذه هي الغاية وهذا هو المنهج كما بسطه الجابري في مقدمة الكتاب التي تمثل عقداً بين الكاتب والقارئ فهل هذا ما التزم به الكاتب؟
    الكاتب هو الأسلوب كما يقال فصياغة عنوان الكتاب وعناوينه الفرعية وتقسيم الكتاب على نحو معين يعبر عن رؤية معينة للكاتب فبالنسبة لعنوان الكتاب فيبدو أن الكاتب قد أراد بهذه الصياغة على النمط الإفرنجي في الكتابة أن تظل مفتوحة لتأويلات متعددة فالعنوان هو فكر ابن خلدون العصبية والدولة معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي ومن ثم يبقى المضمر في العنوان أكبر كثيراً من المصرح به هذا المضمر يكشف عن نفسه بقراءة تقسيم الكتاب والقراءة المتأنية لفصوله.
    فأول ما يلفت الانتباه في العنوان أن محوره ابن خلدون فالكتاب عن فكر ابن خلدون دونما إشارة للمعلم المميز لهذا الفكر وهي نظرية خلدونية فهي ليست مثلاً نظرية فلسفية مثالية أو واقعية أو اجتماعية أوعمرانية ولا حتى إسلامية أو عربية بل هي خلدونية وكفى! ويرتبط هذا بالتأكيد على الطابع الاستثنائي لابن خلدون في الحضارة الإسلامية وأنها نظرية تستعصي على الوصف ضمن الأطر المعرفية في وقته أو حتى في وقتنا
    ومن ناحية أخرى فإن ثمة نزعة اختزالية عند الكاتب تبدو في تقسيمه للكتاب الذي أتى في قسمين أساسيين الأول عن " الرجل وعلمه الجديد" أي علم العمران الذي كان من المفترض أن يكون قطب الرحى في الكتاب لكن الجابري يخصص القسم الثاني لتناول العصبية والدولة في علاقتهما بحركة التاريخ والعمران البشري فهي حركة اختزال متوالية: ابن خلدون وعلم العمران الذي تم اختزاله في نظرية العصبية وعلاقتها بالدولة وهما معاً جوهر الإسهام الخدلوني في فهم (وليس فلسفة ولا تفسير) التاريخ الإسلامي فابن خلدون لا يقدم فلسفة للتاريخ لأنه اقتصر على خبرة معينة وليس لكامل حركة التاريخ ورؤية ابن خلدون التاريخية قد أطلق عليها علم العمران (ص.11)
    وعليه يمكن وضع عنوان الكتاب المُقَطَّع في جملة خبرية كما تقتضي الصياغة العربية كالتالي:
    فكر ابن خلدون محوره العصبية والدولة اللذان هما أهم معالم النظرية الخلدونية في التاريخ الإسلامي
    قراءة السياق وسياق القراءة
    إن قراءة سياق ابن خلدونالفكري والتاريخي تؤكد في رؤية الجابري الطابع الاستثنائي "للظاهرة الخلدونية" كما يسميها، فهو عند تناوله لعصر ابن خلدون يشير إشارات متفرقة لتأثير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والفكرية على بعض الصياغات الفكرية لابن خلدون مثل عدم الاستقرار السياسي وسرعة تعاقب الدول وتبعية القوة الاقتصادية للقوة السياسية في كثير من الأحيان والاقتصاد الحربي ودوره فإن الكاتب يشير ي النهاية إلى أنه برغم تعرض الكثيرين لمثل ظروف ابن خلدون ونهلهم من نفس المورد الفكري والعلمي "فإن ثمة عنصراً ذاتياً في تجربة ابن خلدون دفعه للاهتمام بشؤون العمران" ص.23 صحيح أن ابن خلدون قد درس العلوم العقلية وعاصر أنماطاً متعددة للعلاقة بين العالم/ المفكر والسلطان خاصة مع تطور نظرية الخلافة إلى منحى واقعي يؤصل لمفهوم شرعية إمامة المتغلب ومن ثم يرى الجابري أن تقلب ابن خلدون لا يسوغ مطلقاً وصفه بالانتهازية السياسية فهو كان متسقاً مع الإطار القيمي السائد من أنه طالما لم يوجد خليفة واحد بعينه فلا فرق بين أن يناصر المسلم هذا المطالب أوالمغالب أو ذاك ومع ذلك كله فإن ابن خلدون تميز بهذا العنصر الذاتي الذي يصفه الجابري "نقطة التحول الخطيرة" و" الانقلاب النفسي " الذي عاناه ابن خلدون قبيل اعتكافه في قلعة بني سلامة والذي يمكن إرجاعه لحس ابن خلدون التاريخي بالمنعطف الذي دخلته الحضارة الإسلامية وانه على أبواب "خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث" بتعبير ابن خلدون.
    وعلى الرغم من تأكيد الجابري أن ابن خلدون بحكم تكوينه الدراسي وخبراته العملية هو مفكر موسوعي نقدي فإنه يجاول رد هذه الطفرة الخلدونية للدراسات الفلسفية التي تلقاها في مقتبل شبابه ولأساتذته الفلاسفة وخاصة "الآبلي" ولا يكتفي بما أورده ابن خلدون من كتب طالعها أو درسها في كتابه التعريف بل يخمن أن ابن خلدون لابد وأنه التقى فلاناً وفلاناً ولابد أنه قرأ كذا وكذا من كتب الفلسفة بل ويذهب إلى أن ابن خلدون بقى فيلسوفاً في تفكيره وفي نظرته للكون.
    إن قراءة الجابري للسياق أهملت الوسط الحضاري وقراءة السياق الفكري في ضوء نصوص الكاتب الأخرى مثل كتاب التعريف الذي لم يلجا الجابري إليه إلا لماماً.
    قراءة مفاهيمية في الكتاب :
    لقد آلى الجابري على نفسه أن يلتزم بقراءة ابن خلدون كما هو ليبقى مخلصاً لروح الفكر الخدوني ملتزماً بتتبع تموجاته في مجراه الحقيقي وإطاره الأصلي التزاماً بالقاعدة التي قررها ابن خلدون بأن المصطلح لا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل في عصرهم فهو أليق بمرادهم منه فهل حاكم الجابري فكر ابن خلدون إلى مصطلحاته كما سكها ابن خلدون بنفسه؟ وكما أراد لها أن تفهم؟ إن تحديد الجهاز المفاهيمي والبنية المفاهيمية التي استخدمها الكاتب أبعد منالاً من نطاق هذا المقال إلا إنه يمكن الإشارة إلى المفاهيم المركزية والمفاهيم المنظومة في الكتاب ومنطق التفكير المفاهيمي عند الكاتب.
    ولعل أهم المفاهيم المحورية في قراءة الجابري لابن خلدون هو مفهوم العقلانية وهو أمر له تفسيره في مشرع الجابري الفكري لصياغة عقلانية عربية ولكن ليس له أي تبرير في إطار ضرورة فهم المفكر دون اللجوء إلى مفهوم خارج عن منظومته الفكرية في حين يرى الجابري أن ابن خلدون عاش في ظروف عدم استقرار وانحطاط وسيطرة التفكير الخرافي وكان الإعراض عن أي نشاط فكري سليم هون الطابع العام للعصر فكان ابن خلدون من القلائل الذين اخترقوا سياج العصر وظروف الجو الخانق للعقل وفعاليته لكن عبقريته أنه تفرد من بين هؤلاء القلائل بالاهتمام بالشؤون السياسية والاجتماعية اهتماماً جعله يهتدي إلى موضوع مقدمته التي ألفها على ذلك النحو الغريب شكلاً ومضمونا وأسلوباً
    وعلى الرغم من إقرار الجابري بأن فكر ابن خلدون قد تشكل عقلانياً ولا عقلانياً بحيث أن أبحاث المقدمة بما فيها من مباحث شتى تشكل كلها وحدة لا تتجزأ تعكس طابع الفكر الخلدوني بما انتهى إليه بعد نضجه وإلمامه بمختلف معارف عصره وبعد تمثله للتراث الثقافي الإسلامي بمختلف مناحيه تمثلاً عميقاً واعياً برغم هذا الإقرار فإن الجابري يرى أن الرافد العقلي في ثقافة ابن خلدون ودراسته للعلوم العقلية هي أحد سببين - الآخر هو الانقلاب النفسي الذي عاناه ابن خلدون – لما يسميه الكاتب بالطفرة الفكرية التي أثمرت كتابه المقدمة وهذا الرافد يجد أصوله فسي دراسة ابن خلدون للعلوم العقلية على يد معلمه الآبلي ومن ثم فإن تأرجح ابن خلدون بين العقلانية واللاعقلانية وإن كان ظاهرة أصيلة في تفكير ابن خلدون فإن اللاعقلانية كانت تعبر عن طابع الفكر السائد في العصر الذي عاش فيه ابن خلدون لا عن طابع تفكيره الخاص.
    ومن ثم لا يذهب الجابري المذهب الذي يرى أن فصول المقدمة تعبر عن مراحل تطور ابن خلدون الفكري فالمقدمة لم تكن محصلة اعتكاف في قلعة بني سلامة بل هي مولود لمخاض فكري طويل استغرق سبع سنوات أما التعديلات التي أضافها ابن خلدون فلمتلمس جوهر المضمون بقدر ما كانت مكملة وشارحة له
    وعليه يجتهد الجابري في إثبات أن المقدمة السادسة عند ابن خلدون والتي تدور حول أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو الرياضة ليست من البحوث الاستطرادية التي تتسم بالطابع اللاعقلاني في المقدمة بل هي محاولة لإخضاع جميع هذه الظواهر للبحث العقلي وإيجاد برر معقول للظواهر العمرانية اللاعقلانية في إطار بحث إمكانية تأثير العوامل الروحية في الأفراد والجماعات وبيان كيفية هذا التأثير باعتبار أن المقدمات الخمس السابقة الواردة في المقدمة تبحث في ضرورة الاجتماع وطبيعة العوامل المادية التي تؤثر في حياة الناس.
    وبهذا الفهم فإن العقلانية ليست بمعنى النزعة العقلية والتي لم تكن قط غريبة عن الحضارة الإسلامية حتى في عصور انحطاطها بل مفهوم العقلانية عند الجابري هو بمعنى يجعله يقرر" إن عقلانية ابن خلدون على الرغم من إيمانه بالنبوة والوحي ذات جوانب هامة" ص. 87 ! وأن ابن خلدون كان يصدر عن عقلانية لا غبر عليها عند نقد العلوم العقلانية لكنه سيكون أقل عقلانية من ابن الرواندي والنظام والجاحظ اللذين رفضوا أي تفكير خرافي أو اعتقاد غيبي عندما يبحث عن قدرة النفس على اكتساب معارف من عالم الغيب.
    فالعقلانية عند الجابري تأخذا صياغة خاصة باعتبارها من أصول مشروعه الفكري تجعلها لا في مواجهة الأسطورة والخرافة وحسب بل وفي مواجهة الغيب وأية رؤية للعالم متجاوزة للطبيعة فالعقلانية عند الجابري ترتبط بتلك الخبرة الحضارية في الانتقال من العصور الوسيطة (الأوربية) إلى عصر الأنوار وإعلان سيادة العقل وما صاحب هذا من نزع القداسة عن العالم وعلمنة الحياة الاجتماعية فهي ليست مجرد نزعة تعلي العقل وتدعو لإعماله في مختلف شؤون الحياة بل هي أقرب لنظرة مادية للعالم تراه محكوماً بقوانين قارة فيه يمكن اكتشافها باكتشاف علاقات السببية والحتمية التي يتضمنها هذا العالم لا فرق بين عالم المادة والمجتمع والإنسان والذي ينهض بهذه المهمة العلم القائم على اختبار الفرضيات والمقولات إلى الخبرة المادية والحس وبتطور العلم تتقلص مساحة المجهول إلى المعلوم فيحمل العلم خلاص البشرية بطرحه حلولاً لكافة مشكلات الإنسانية مستمدة من الواقع الذي يفسره العلم فالجابري يرى في كتابه نحن والتراث " إنه على الرغم من تحول رياح التقدم نحو أوربا حاملة معها الخطاب الرشدي الذي سيعاد إلقاؤه هناك مرات ومرات لعدة قرون .... فلقد أثمرت العقلانية الواقعية النقدية الرشدية في موطنها المغرب والأندلس زهرة واحدة على الأقل ما زال أريجها يحتفظ برائحتها الزكية وروحه الرشدية إلى اليوم: إنها مقدمة ابن خلدون لقد شاهد ابن خلدون رياح التقدم تتحول إلى بلاد الروم فاقتنع أم زمن "الحلم" قد انتهى وأن المهمة المطروحة الآن هي فحص الذي مضى لاستخلاص الدروس والعبر فمقدمة ابن خلدون درس للعقل من العقل".
    وعلى الرغم من أن الجابري يجعل مفهوم العقلانية مدخله لقراءة ابن خلدون فلم يرد في الكتاب أي بيان لكيفية بناء المفهوم وما مصادر عملية البناء هذه إلا إنه يمكن الاستدلال على مصادر مفهومه للعقلانية من كتاباته الأخرى التي تقدم معالم مشروعه الفكري لاستعادة العقلانية للفكر العربي بعد نقد آليات عمل العقل العربي.
    كما يمكن الاستدلال عليه من مناقشة الجابري لنظرية ابن خلدون المعرفية حيث يرى الجابري أن ثمة ثنائية متعارضة بين الحقائق التي يقررها العقل وتلك التي يقررها الدين وأن ابن خلدون قد عالج هذا التعارض بالتسليم بأولوية الشارع في المسائل غير العقلية أما في المسائل الاجتماعية فباعتبارها من مسائل الحس والتجربة فإنها تدخل في إطار العقل فإن قوانين الحكم والسياسة يمكن أن تعتمد على العقل وحده دون الحاجة إلى شرع لأن جوهرها إنما هو اجتناب المفاسد إلى المصالح والقبيح إلى الحسن وهذا وذاك تتم معرفته بالتجربة على الرغم من أن ابن خلدون يرى أن قراءة الوجود بالعقل المهتدي بإرشاد الوحي هي القراءة المكملة والموصلة لقراءة الوحي التي تستند في الإثبات والفهم على العقل فابن خلدون يرى أن للعقل مجاله من حيث أنه " يحيط علماً بالغالب بالأسباب التي هي من طبيعة ظاهرة " ومن ثم لا يمكن أن يحيط بكل أنواع الوجود لأن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركها لا يعدوها فإذا خرجت الأسباب عن نطاق إدراك وجود الإنسان فإنها لا يمكن إدراكها بالعقل أما السياسة في المنظار الحضاري الذي ينتمي إليه ابن خلدون فهي لا تستحق هذا الوصف إلا لكونها سياسة شرعية تقوم على المصلحة وهي مفهوم منضبط ويخضع لمجموعة من القواعد المنهجية في تأصيلها والتوصل إليها والعمل وفقها في إطار القواعد العامة التي تحكم "منطقة العفو" التي يجب أن يعمل البشر فيها عقولهم ليتوصلوا إلى هذه المصلحة وبهذا المعنى يمكن فهم مقولة ابن خلدون إن الخوض بالعقل فيما هو وراء نطاقه من الحس والتجربة والنظر في الموجودات خبط في بيداء الأوهام وهذه المقولة هي التي جعلت الجابري يتحفظ على عقلانية ابن خلدون لأنها " على الرغم من إيمانه بالوحي والنبوة" ويعتذر لها بأن التفكير الغيبي كان طابع العصر.
    ويمكن اعتبار مفهوم العقلانية مفهوم منظومة ينتظم شبكة من المفاهيم التي يحكمها منطق الثنائيات وهذه الثنائيات لا تعني أزواجاً متعارضة حقيقةً بقدر ما تعبر عن إخفاق في القدرة على التحليل والتركيب وفهم الإطار المعرفي للعديد من المفاهيم ومن هذا ثنائية العقلانية واللاعقلانية والتي انعكست على تقسيمه للسياسة لسياسة عقلية وسياسة شرعية في حين أن هذه القسمة دخيلة من الكر اليوناني فالسياسة الشرعية هي السياسة المهتدية بالشرع وإن لم يحددها نص فالواجب إعمال العقل في تدبير هذه السياسة وبهذا المعنى هي سياسة عقلية فالعقل هو مدار التشريف والتكريم في الدنيا والآخرة على ما يدل عليه الحديث المروي عن النبي (ص) ومن هذه الثنائيات أيضاً العلم/ السياسة التي تنفي التمازج والتضافر بينهما فابن خلدون وهو يضع مقدمته لم يلفظها أعني السياسة وهو حين كان يمارس السياسة كان يملك مشروعاً إصلاحيا وضع المقدمة للتأصيل النظري أو بالأدق المنهجي لقواعد حركته الأمر الذي يثير ثنائية أخرى هي الواقعية والتشاؤمية مقابل المثالية الأخلاقية فابن خلدون كان واقعياً لا بمعنى الاحتكام في تفسير الواقع إلى قيم الواقع وإن كانت ضامرة ومنزوية بل بمعنى تقويم الواقع وفق إطار فكري يستند على سنن الله تعالى في الخلق كما أن ابن خلدون لم يكن كما تصوره الكاتب ليس لديه القدرة ولا الاهتمام بإقامة مشروعه الإصلاحي على أرض الواقع بل سعى لبيان منهج التغيير استناداً لاستقراء السنن الإلهية بغض النظر عن مدى توفيقه أو إصابته لكامل هذا الهدف.
    لقد حددت هذه الثنائية الإشكالات البحثية الجدر بالتناول على نحو متعسف ومن ثم كان اهتمام الجابري ببيان أن طبائع العمران لا تتضمن مفهوم الجبرية ومن ثم لا تتعارض مع فكرة التقدم أو التطور كما أنها لا تعني نظرة تشاؤمية كما كان الجابري مشغولاً بتوضيح موقف ابن خلدون من مشكلة السببية في حين أنه لو قرأ طبائع العمران في إطار مفهوم السنن لكان في غنى عن هذا الطرح الذي لم يهتم به ابن خلدون.
    ومن ناحية أخرى فقد انعكس مفهوم الجابري للعقلانية على مفهومه للعلم والذي حاول من خلاله تقويم " العلم الجديد" الذي أسس له ابن خلدون كما انعكس على محاولات وضعه في تصنيفات العلم القديمة أو العلوم الإنسانية الحديثة فبالنسبة للعلوم الموروثة فإن إسهام ابن خلدون حدد معالم ورسم طريق هذا الاتجاه الفكري الذي تحول من البحث في كيف يجب أن يكون الحكم في الإسلام إلى البحث في كيف كان هذا الحكم فعلاً في الماضي فابن خلدون هو الذي عمق أسس هذا الاتجاه ورسم أبعاده فخلع عليه اسماًَ عاماً هو علم العمران ويرى الجابري أن هذا الاتجاه تبلور مع تأكيد الغزالي على ضرورة الشوكة للإمام واعتراف الفقهاء بشرعية المتغلب بهذا الوصف وحسب والجابري يلتقي في هذا مع عدد من المستشرقين الذين يرون ريادة ابن خلدون في دراسته الوضعية للعلم الاجتماعي([1]) فهو قد قام بدور مناظر لما قام به ماكيافيللي الذي عد مؤسساً لعلم السياسة الحديث لأنه فصل القيم عن الواقع بل ويذهب الجابري أن ابن خلدون بتأكيده على طبائع العمران يناظر أوجست كونت في حديثه عن الفيزياء الاجتماعية وإن كان ابن خلدون قد انطلق من تصور عضوي للمجتمع والكون معاً لكن ابن خلدون بتركيزه على دراسة الدولة بالمعنى الخاص لها عنده يجعل عمله مجرد بداية كان يمكن أن تتطور لتصبح فلسفة تاريخ أو فلسفة سياسية أو نوعاً من السوسيولوجيا فعلم العمران ليس أياً من هذه الثلاثة فهو ليس فلسفة تاريخ لأنه لم يهدف إلى تفسير التاريخ كله ولم يطرح مشكلة المصير البشري على العموم كما أنه لم ينطلق من أساس فلسفي فهو طرح مشكلة معينة هي قيام الدول وسقوطها وهو ليس علم اجتماع لأن اهتمامه ينصب على قطاع طولي في علم الاجتماع هو القبلية عندما تصبح قوة سياسية فيثور الصراع العصبي من أجل من أجل السلطة ولعل مشكلة الجابري في قراءة المقدمة – وهي مشكلة الكثير ممن قرأها- هي تحديد موضوع المقدمة فهو يعتبرها بحثاً في نشوء الدول وتعاقبها في حين أن قراءة المقدمة كما أراد مصنفها وبكلماته هو مقدمة في علم العمران الذي يعتبر التاريخ جزء من مادته.
    وعلى الرغم من محاولة الجابري رؤية علم العمران في إطار فلسفة العلم السائدة في الضارة الإسلامية وكما حدد ابن خلدون موضوعه ومسائله ومقدماته فإن الجابري يرى أن اعتماد ابن خلدون المنهج الاستدلالي التجريبي التاريخي معاً أدخل كثيراً من التشويش على المقدمة وأضفى بعض الغموض على آرائه ونظرياته (ص. 111) لكن قراءة عناوين المقدمة التي كثيراً ما جاءت في عبارات تقريرية تعبر عن طبائع عمرانية وسنن اجتماعية لابد أن تحيل إلى أسلوب صياغة هذه التقارير فهي ليست آراء تنتظر الإثبات والبرهنةى و لا مقدمات مسلم بها يستنبط منها نظراته بل مزْج بينهما باعتبار طابعها العام الأمر الذي يعيدنا لمفهوم طبائع العمران الذي يعتبره الجابري أساس محاولة ابن خلدون تفسير التاريخ الإسلامي فابن خلدون أسس علمه الجديد علم العمران على أساس الاختلافات والفروق القائمة بين البدو والحضر فكانت أبحاثه في تأثير المناخ والخصب والجدب ووسائل كسب العيش لبيان أسباب هذه الاختلافات التي تحدث في العمران بمقتضى طبعه لكن الجابري يعود ليؤكد أن الهدف الأساس لابن خلدون وما كان يهمه هو شرح نشوء الدول وسقوطها.
    وعليه فإن الجابري في شرح نظرية العصبية وصراع العصبيات واستهداف العصبية للملك كمحرك لتطور الدولة وصولاً لمرحلة الحضارة التي تؤذن بهرم الدولة واضمحلالها مع إعطاء معاني شديدة الخصوصية للمفاهيم الخلدونية يختزل جهد ابن خلدون لمجرد شهادة تاريخية على العوامل الفاعلة في التجربة الحضارية في الإسلام ويرى الجابري أن شهادة ابن خلدون شهادة ضرورية جداً لكنها لا تكفي لبناء نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي تنطلق من اهتماماتنا الراهنة فأهمية آراء ابن خلدون – برأي الجابري - ليست في كونها تقدم نظرية كاملة في التاريخ الإسلامي فمثل هذه النظرية ستضل دوماً ناقصة ومحتاجة للتعديل بل أهميتها في أنها شهادة ثمينة تبرز العوامل الفاعلة في التجربة الحضارية في الإسلام.
    وتحيل هذه الرؤية إلى مفهوم الدين في قراءة الجابري للمقدمة وهو مفهوم يرادف الدين بالأيديولوجيا " العامل الأيديولوجي زنهني به الدين بمفهومه الواسع" ص. 255 ومن ثم يرى الجابري أن الدين وإن كان شرطاً ضرورياً لقيام الدولة العربية فهو ليس شرطاً كافياً انطلاقاً من التناقض يسن حقيقة أن الله تعالى هو الذي أيد الدعوة الإسلامية وحقيقة أن الإسلام قد نجح فقط بعصبية العرب وقد حل ابن خلدون هذا التناقض باعتبار طبائع العمران هي الكيفية التي أجرى الله تعالى بها مشيئته في الكون أما الناحية العملية فقد عاق نظام الخلافة استقلال عدة مناطق بشئونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية استقلالاً كان يفرضه واقع الأمور فعاق بذلك نموها الذاتي وتطورها التدريجي وبالأخص النمو الاقتصادي نتيجة تنقل مراكز الخلافة كما أن وحدة الخلافة كغطاء لمجتمع الكثرة والتنوع قد أدى لطبع التاريخ الإسلامي بطابعه المعروف من عدم الاستقرار السياسي فالعصبية – وليس الدين – مقترنة بغيرها من العوامل هي التي كانت تلعب الدور الحاسم في تاريخ الإسلام.
    فعبقرية ابن خلدون لا ترجع إلى أنه أبرز عامل الدين أو عامل العصبية بل هي في معالجته لأثر هذه العوامل كلها في تفاعلها وديناميتها وهكذا زاوج ابن خلدون ومزج بين العصبية والدين ونظر على فاعليتهما من خلال تأثيرهما المتبادل كما زاوج بين العامل الاقتصادي (شئون المعاش) والعامل الطبيعي (تأثير المناخ والخصب والجدب) ونظر على تأثيرهما ككل ثم ربط ذلك كله في منظومة متكاملة لتفسير التاريخ الإسلامي.
    إن مشكلة قراءة الجابري لهذه العوامل أنه انطلق في تحليله لها- لو سلمنا بأنها كانت محور الإسهام الخلدوني - من نظرة منهجية ومن خبرة معرفية مغايرة خلافاً لما ألزم به نفسه من قراءة ابن خلدون كما أراد لنفسه ان يقرا فالجابري يندد بالقائلين بأن ابن خلدون كان من رواد المادية التاريخية لكنه في الوقت نفسه يرى أصالة ابن خلدون تعود بالدرجة الأولى على أنه استطاع أن يربط بقوة بين العصبية والشروط الموضوعية اللازمة لفاعليتها السياسية وهي شروط ذاتى طابع اقتصادي واضح كما ان ابن خلدون وسع مفهوم العصبية ليدرج فيه مجموعة متنوعة من العلاقات والترابطات والفاعليات البشرية الناجمة لا عن علاقات النسب وحسب بل وغلى العلاقات الاقتصادية وأنواع الصراع الذي يستهدف الحصول على مستوى من العيش أحسن ويعتذر الجابري عن ضعف رؤية ابن خلدون للعامل الاقتصادي لعدم وضوح هذا العامل كما هو الآن! حيث كان الإنتاج بدائياً ضعيفاً والعلاقات القائمة على النسب أو ما في معناه طاغية على الروابط الاقتصادية فتنازع المصالح ذات الأساس الاقتصادي في الأعم هو جوهر دورة الدولة والصراع العصبي وهذه الدورة تعبير عن التناقض – وهو احد المفاهيم التفسيرية عند الجابري – بين البناء الفوقي بما يتضمنه من حضارة استهلاكية ومؤسسات فوقية مصطنعة من دول وخلافة وبين بنائها التحتي الاقتصادي والاجتماعي الذي أقامت عليه نفسها بشكل تعسفي بناء لا يتحملها و لا يقدر على حملها لأنها لم تكن نمواً طبيعياً و لا تطوراً تدريجيا فهذا البناء التحتي يقوم على اقتصاد الغزو وأسلوب الإنتاج الحربي الذي يقوم على تجميع الثروات واستهلاكها لا استثمارها وحديث الجابري هذا يبدو كما لو كان بصدد الدولة المستوردة بتعبير برتراند بادي أو دولة ما بعد الاستعمار بتعبير عيسى شيفجي لكنه عملية تأويل واسعة لابن خلدون يصعب قبولها برغم أن الجابري يرى هذه المقولات تقدم قراءة فاعلة للمقدمة. إن كل قراءة تشتمل على قدر من التأويل مهما ادعى القارئ حياده إزاء النص لكن المهم أن يعلم القارئ آليات هذا التأويل وأهدافه دون ادعاء القيام بتشريح النص بقلب بارد هذا الادعاء الذي يظهر في إجابة الجابري على التساؤل الذي يطرحه: الا نجد ملامح ذلك التناقض المزمن في حياتنا الجارية الآن؟ ألا نجد في تحليلات ابن خلدون ما يلقي بعض الإضواء على جوانب من تاريخنا الحديث وواقعنا الراهن؟ ويجيب الجابري إنها مسألة أخرى وموضوع آخر.
    إن عدم تحديد قواعد المنهج قد يؤدي بالكاتب إلى الانزلاق لما حذر منه وهو أسلوب المقارنات والمقاربات بين الفكر الخلدوني والفكر الحديث خاصة المنتمي لخبرة حضارية مغايرة تطبعه بطابع شديد الخصوصية فانزلق الجابري لتأكيد " ذلك التشابه القوي بين تحليل ابن خلدون للعوامل التي تمكن العصبية من تحقيق غايتها من الملك وتأسيس الدولة وبين التحليل الماركسي لظروف الدولة خاصة نظرية لينين في الثورة والوضع الثوري ثم يقتطف من لينين ليخلص إلى أن ما يربد لينين لينين تقريره هنا هو أن الثورة لا تنجح إلا إذا توفر شرطان اساسيان هما قيام وضع ثوري ووجود تنظيم جماهيري ثوري كذلك وهما يقابلان عند ابن خلدون وبالنسبة لظروف ومعطيات مجتمعات عصره الشرطين اللذين درسناهما وهما هرم ادولة ووجود عصبية جامعة.
    كيف وصل الجابري لهذه القراءة؟ هذا ما يتضح في طريقة توظيفه وقراءته للمفاهيم التي عدها المفاهيم الأساسية في المقدمة العصبية – الدورة العصبية – الدولة – البداوة كمقابل حضارة حيث كان الجابري وفياً للمقدمة في تحديد أصل المفهموم لكنه في توظيفه للمفهوم في بناء تصوره لنظرية ابن خلدون أخذ ينفخ فيه من الدلالات بما يمدد المفهوم ويحمله ما لا يحتمله الأصل الذي بدأ منه.
    ويشير هذا إلى استشهاد على سبيل الحجة بمقتطفات من المقدمة فكتاب الجابري هو قراءة للمقدمة ومن ثم فإن الحجة الأساسية في هذه القراءة تكييفه الفكري للمقدمة وأنه قد توصل لقصد المفكر من مؤلفه بإحسان القراءة والاحتجاج بشواهد تشير لهذا الإحسان وهنا يمكن ملاحظة أن الجابري يقم بعملية مزدوجة: تعريف مفاهيم ابن خلدون تعريفاً شديد الانحسار مستشهداً باقتطاعات شديدة الاجتزاء من المقدمة قد لا تعدو نصف جملة ثم الذهاب بالمفهوم لمدى ابعد وفق رؤية الكاتب (الجابري) دون أية استنادات من النص في هذه الرؤية ولم يقتصر الجابري في هذا على المفاهيم الواردة في المتن بل وفي تعريفاته لمفاهيم ابن خلدون التي أوردها في ثبت خاص فمثلاً مفهوم علة، سبب يذكر الجابري أن ابن خلدون يستعملهما غالباً مترادفين لكنه يعود ليقرر " الذي يبدو أن ابن خلدون يستعمل هاتين الكلمتين في معناها الفقهي الأصولي لا الفلسفي" وبناء على هذا البادي دون مستند يحدد الجابري العلة بأنها وصف أضاف الشارع الحكم إليه ... ويكون كذلك عندما يكون الحكم قابلاً للتبرير العقلي وهو بذلك يخلط بين الحكمة والعلة ويظهر هذا الخلط في تحديد الجابري لمفهوم السبب بأنه نفس الوصف عندما لا يدرك العقل البشري جانب المصلحة في الحكم! مثل ربط الصيام بظهور الهلال أول شهر رمضان.
    وبعد!
    فإن قراءة الاعتبار والاستثمار تقتضي إحسان فعل القراءة فيتعلم القارئ على النص حتى يصبح به عالماً اما القراءة التي تستنطق النص ما قاله وما لم يقله وتتعالم على النص فلابد أن تكون عودتها إلى النص عودة استظهار به لرؤية محددة سلفاً لا عودة افتقار له ولا توسلاً به لفهم كيف يمكن التوصل لمنهجية قويمة لمواجهة مشكلات عصرنا الفكرية فالمفكر هو ابن عصره لكنه ابن عاق لا يخلص له بقدر ما يخلص لإنسانيته المتحققة في مختلف العصور وأصالة المفكر ليست في ما طرحه من إجابات على معضلات عصره بل كيف ألقى اسئلته في مواجهة عصره وكيف اجتهد في محاولة التوصل لإجابة لها وتبقى أصالة الفعل القرائي في استكشاف أبعاد هذا المنهج وأظن أن الكتاب قيد التناول قد راوح بين العديد من القراءات فأصاب وكان له نصيب كبير من النجاح وقدر غير ضئيل من الإخفاق لكنه يبقى شاهداً على قدرة العقل العربي على الاجتهاد.


    [1] " لقد ابتعد ابن خلدون عن كل أساس ميتافيزيقي [كذا!!] في فلسفته التاريخية لينصرف على تشييد علمه الجديد على أساس واقعة اجتماعية كانت طاغية ملموسة في عصره هي الرابطة العصبية" ص. 245.

الأقباط في الحياة السياسية المصرية

  • Alkasd my other blog

  • قبل أن تقرأ!
    فيما يلي بعض المقتطفات من أطروحة الدكتورة سميرة بحر لنيل درجة الدكتوراة من كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة وقد نشرتها مع بعض الزيادة والاختصار في مكتبة الأنجلو وهذه الرسالة من أهم الكتابات التي عالجت وضع الأقباط في السياسة المصرية لا لدقة الباحثة ودأبها في العودة إلى المصادرة الأصلية واستيعابها مختلف جوانب تفاعل الأقباط مع الحياة السياسية في فترة الدراسة وحسب بل للمنهجية النظامية التي اتبعتها والاستقامة المنهجية التي التزمتها وإن لم يمنع هذا من وقوعها في مزلق منهجي عندما وضعت دراستها في سياق أكبر من دراسة الأقليات ولا يعلم القارئ هل كان هذا لإكساب الدراسة الطابع الأكاديمي وما يتطلبه من تحديد مجال إسهام الدراسة وسط دراسات العلوم السياسية خاصة وأن المشرف على الرسالة كان أ.د. علي عبدالقادر وهو من أبرز المهتمين بدراسة الأقليات أم أنه نتيجة اقتناع حقيقي من الباحثة بأن هذا هو المدخل الملائم لدراسة الأقباط في السياسة المصرية والاحتمال الأخير يبدو بعيدً خاصة أن الباحثة تدرك الأبعاد والتداعيات التي يستبطنها تحليل العلاقة بين الأقلية والأكثرية المتضمنة في مفهوم الأقلية وهو الإدراك الذي يظهر في استعراضها المستقصي للتعريفات المختلفة لمفهوم الأقلية وعناصر علاقة الأقلية والأكثرية وأنماط التعامل بينهما فمفهوم الأقلية كما توضح الباحثة على عكس ما يوحي به لفظياً لا يقوم العدد أحد دعائمه " فالأعداد داخل وخارج جماعة الأقلية لا تحدد أهمية الجماعة فالبانتو برغم أنهم يمثلون 80% من سكان جنوب أفريقي إلا أنهم يعتبرون جماعة أقلية لأنهم يحتلون (وقتها) مراكز ثانوية"... ويمكن أن تصبح الأغلبية العددية أقلية من الناحية النفسية " ص. 4 فالعنصر الحاكم في تحديد الأقلية هو وجود جماعة مسيطرة ذات وضع اجتماعي أعلى وامتيازات أكبر .. وتحمل أوضاع الأقلية الحرمان من الاشتراك الكامل في حياة المجتمع ص(3) ومن ثم تمثل المكانة الأدنى لجماعة ما والتمييز ضدها (إضافة إلى تميزها من حيث الخصائص الاجتماعية والثقافية) هو ما يبرر وصفها بأنها أقلية.
    وقد انعكس هذا على تحديد الباحثة لعناصر علاقة الأقلية بالأكثرية في : التعصب أو التحامل ، صراع وتوتر الجماعة ، التمييز أو المحاباة ، التفرقة والاضطهاد.
    وتأتي أهمية تحديد الأقباط كأقلية من استغلال البعض هذا الالتباس المفاهيمي الذي يثيره صغر عدد الأقباط مقابل المسلمين لوصفهم بأنهم أقلية تخضع لسياسة تمييزية واضطهاد (وهذا الفهم من عناصر المفهوم بالإنجليزية) وبما ينمط صورتهم على هذا النحو ويقوي الاتجاه الانعزالي بين المواطنين الأقباط وبدا هذا التلبيس عندمنا اعترض العديدون وعلى رأسهم الأنبا شنودة على مناقشة وضع الأقباط بوصفهم أقلية فرد عليهم أصحاب هذا الاتجاه بعنوان ساخر "أقباط مصر أغلبية!"
    ومن ناحية أخرى فإن اعتماد الباحثة غالباً على الأدبيات الغربية والأمريكية تحديداً أدى لمناقشة الموضوع في سياق الدولة القومية فقط وحماية الأقليات كما أنها بتركيزها إلىالدراسات السابقة عن المجتمع الأمريكي والأقلية اليهودية وفي الاتحاد السوفيتي السابق جعل إطار البحث النظري لا يخدم موضع البحث حيث كان المفترض أن يحدد هذا الإطار طبيعة العلاقة بين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأقليات ودورها في الحياة السياسية في مجتمعها والمسارات المختلفة لهذه العلاقة ودراسة انطباق هذه المفاهيم والعلاقات على الأقباط في مصر .
    لذلك تخلص الباحثة إلى أن الأقباط وإن كانوا حسب العدد أقلية دينية فإنهم لم يكونوا أقلية بالمعنى السياسي والاجتماعيي والاقتصادي على الإطلاق بل كانوا احد القوى السياسية في المجتمع السياسي التعددي الذي ساد فترة البحث.
    وبعد أن تتناول الباحثة أسباب نشوء ظاهرة الأقليات وتطورها والسياساتالمختلفة التي تتبعها الأغلبية في مواجهة الأقلية والعكس تناقش الباحثة موقف الفكر رالليبرالي والماركسي والإسلامي بشأن علاقة الأكثرية بالأقلية وبالنسبة للفكر الإسلامي تذهب الباحثة مذهب البرت حوراني من أن التسامح الديني كان طابع الإسلام الذي جعل استمرار المجتمع الديني ممكناً وأنه برغم هذا التسامح وتمتع أهل الكتاب بالعديد من المزايا فإن وضعهم كان مقلقاً حيث كانت الأمور تعتمد على المزاج الشخصي للحاكم ولم تكن حياة الأفراد وممتلكاتهم دائماً في أمان ومن ثم كانت معاناة غير المسلمين دائماً مظاعفة وكانت سبب التحول المستمر خلال فترة الحكم العثماني نحو اعتناق الإسلام.
    ومن ناحية أخرى فإن العزلة الاجتماعية للطوائف الدينية وبعدهم عن سيطرة الدولة والدور الذي قامت به كوسيط لنقل الفنون الحديثة والمنتجات والأذواق والمفاهيم الغربية أدت لتقوية المجتمعات الدينية لهذه الطوائف ومزيد من تماسكها اجتماعياً إضافة لذلك فإنها كانت في الغالب محايدة بالنسبة للصراعات السياسية ضد الحكم الغربي.
    وتبقى إشارة هامة لرؤية الكيان الصهيوني لذاته كأقلية لا يمكن أن تستمر إلا في مجتمع من الأقليات حيث لا يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط كما يقول "أندريه شواركي" مستشار "بن جوريون" إلا عن طريق منح حكم ذاتي لجميع الأقليات وإقامة مقاطعات مستقلة لها ومن ثم روجت الصهيونية لإقامة دويلات لكل أقلية في المنطقة تربطها علاقات قوية بالمركز الصهيوني لإقامة "كومنولث عبري" وسعت لإثارة الفتنة الطائفية في الدول العربية والاهتمام العلمي والإعلامي بالأقليات الدينية والعنصرية واللغوية لإبراز تمايزها بما فيها الأقباط في مصر وفي ذلك تقول "جوزيف إليا" في دراستها المسيحيون في الشرق الأوسط "نوفيل أبزرفاتور" في 4/1/1976 "إن إسرائيل في نهاية المطاف أقلية في العالم العربي... تجاهد في سبيل تنمية الطائفية ليس فقط في فلسطين بل في جميع أنحاء العالم العربي لأنها لا تستطيع أن تعيش وأن تنمي نفوذها إلا في ظل الطائفية"
    ويتناول الجزء الثاني من الدراسة الأقباط باعتبارهم الأقلية الدينية في مصر فيتناول الفصل الأول تطور المسيحية في مصر بصورة أقرب لتناول المحددات العامة للوجود القبطي في الحياة العامة فتشرح كيف تمصرت المسيحية حتى اختصت بكونها قبطية سواء عقدياً وتنظيمياً (دور مؤسسة الرهبان) أو حضارياً بتطوير اللغة القبطية ودور المصريين في نشر العلوم والفنون الأمر الذي أدى لاتسام الكنيسة بالطابع الاستقلالي والمناهض للهيمنة الأجنبية سواء تمثلت في الدولة الرومانية قديماً ثم الهجمات الصليبية والإرساليات التبشيرية حديثاً.
    يضاف لهذا ترحيب الأقباط بالفتح الإسلامي واستمرار دورهم في الحياة العامة من خلال مساهمتهم في النظام الإداري وإسهامهم في تشكيل الثقافة العربية الإسلامية وبذلك تشكلت ثقافة جماعية متميزة تتشابه في التقاليد والعادات الإسلامية والمسيحية.
    وظهر الموقف الوطني للأقباط في موقفهم من الحملات الصليبية حيث وقف مسيحيو مصر من من المسيحيين الأوربيين موقف العداء الصريح وأيضاً أيام الحملة الفرنسية وإن كان الموقف يحمل شيئاً من الالتباس تحاول الباحثة ان تجليه في الفصل الثاني الذي يتناول الحملة الفرنسية مؤكدة أن لجوء الفرنسيين للأقباط في الأعمال الإدارية وتحصيل الضرائب كان اضطراراً وليس تمييزاً للأقباط الذين كانوا يشكون في نواياهم ولم يقدم الفرنسيون الحماية للأقباط من اعتداءات بعض الغوغاء ومن جانبهم نظر الأقباط للفرنسيين بشك باعتبارهم القوة الكاثوليكية الأوربية ولم يقدموا مساعدة تذكر لهم أما المعلم يعقوب الذي يعتقد البعض بخيانته في حين يراه آخرون مجتهداً صاحب مشروع للاستقلال القومي عن كل قوى الاحتلال فإنه لم يمثل تياراً يذكر بين الأقباط.
    أما في مصر الحديثة فقد زاد اندماج الأقباط في نسيج المجتمع خاصة مع اتساع دورهم في بناء الدولة القومية كإداريين وموظفين ويشار في هذا الصدد لشخصيات مثل المعلم رزق والجوهري والمعلم غالي ولم يهتز هذا الدور إلا في عهد عباس ليس تعبيراً عن موقف طائفي بقدر ما كان تعبيراً عن كراهية النفوذ الأجنبي والاتجاه التغريب لعملية التحديث وتشير الباحثة لدفاع المسلمين بقيادة شيخ الأزهر عن الأقباط عندما أراد عباس إبعادهم عن السودان واستصدار فتوى من الأزهر بذلك.
    وتخلص الباحثة إلى نتيجة هامة مفادها أنه وإن كان من الشطط قول "كرومر" ان الاختلاف الوحيد بين القبطي والمسلم هو في العبادة فإن أوجه التشابه أكثر كثيراً من أوجه الاختلاف وبالأخص نتيجة اتجاه الأقباط لتبني أساليب الأغلبية على الأقل لتحقيق الحماية في مواجهة انتشار الحضارة الغربية التي أصبحت تهدد بتدمير التقاليد القبطية والإسلامية على السواء . ومن ناحية أخرى فإن الأقباط وإن احتكروا مجالات معينة مثل الصياغة والمساحة والمهن المالية والتجارية فإن هذه المهن لم تستوعبهم كجماعة بما يحولهم من جماعة دينية إلى جماعة ذات وظيفية اجتماعية معينة بما يعزلهم عن سائر المهن وكانت هذه المهن مقصورة على الفئات العليا من الأقباط بينما بقيت الغالبية من الفلاحين الذين يمارسون نفس النشاط الإنتاجي وذات الحياة الاجتماعية التي يمارسها الفلاح المسلم.
    والآن مع العديد من المقتطفات من هذه الرسالة القيمة

    يقول "ساويرس بن المقفع" نقلاً عن البطريك "بنيامين" "لقد وجدنا امناً بعد خوف.. واطمئناناً بعد بلاء. لقد صرف عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم" وكتب يوحنا النقيوسي إن عمرواً لم يضع يده على شئ من أملاك الكنيسة ولم يرتكب شيئاً من النهب ولم يظهر أي شعور من التعصب بل إنه حفظ الكنائس وبناها.
    كان الموقف من الغزاة الصليبيين امتداداً لموقف الكنيسة القبطية القومي المستقل وبلغ من شدة غيظ الصليبيين لعدم مساعدة الأقباط لهم أن أصدروا قانوناً يمنع أقباط مصر من زيارة القبر المقدس بدعوى أنهم ملحدون كما كان الصليبيون يعتقدون فيهم الهرطقة لخروجهم عن المذهب الكاثوليكي وتعترف مسز بوتشر بفرح الأقباط بانهزام الصليبيين فرحاً لا يوصف لأنهم وجدوا معاملة المسلمين لهم أفضل من أولئك المعتدين.
    نفس هذا المأزق بين المطرقة الأجنبية والسندان المصري واجهه ةالأقباط بعد قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر خاصة ما حدث بعد ثورة القاهرة الثانية التي كانت قيادتها بيد الأتراك والمماليك والغرباء لذلك انحرفت عن هدفها الوطني وتحولت لحرب دينية صريحة جعلت من الأقباط هدفاً لها وكانت من الأسباب المباشرة لتكتل الأقباط وإنشاء الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب ويحكي الجبرتي فيما ينقله لويس عوض "قال نصوح باشا للعامة : اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم وعندما سوعوا ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون كل من يصادفونهم من نصارى القبط والشوام واستمر القتال ليلاً ونهاراً وكان كل من قبض على نصراني أو يهودي أو فرنساوي أخذه وذهب به إلى الجمالية ويأخذ عليه البقشيش"
    كان الأقباط دائماً أول المضطهدين سواء في أوقات الاضطرابات والثورات التي حصلت في بدء الاحتلال الفرنسي أو في الثورات التي قامت ضد الفرنسيين عند احتلالهم للبلاد أو وقت خروجهم منها نتيجة الموقف العدائي من جانب المسلمين والعدائي في معظم الأوقات أو السلبي في بعض الأوقات من جانب الفرنسيين من ناحية أخرى.
    كان الأقباط يلقبون الغزاة بالقوة الكاثوليكية الرومانية وهي القوة التي كانت تجتهد دائماً لضياع بلادهم ووطنيتهم.
    كان المصري المسلم يعتقد أن القبطي الذي استعبده المماليك وأذلوه قد تأثر بوجود الجيوش المسيحية في الأراضي المصرية وأنه أظهر استعداه للانضمام غليهم لذلك لما وصلت الحملة الفرنسية إلى مياه الأسكندرية ظل الأقباط موضع شك السلطات وتعرضوا من جراء هذا لأعمال سوء فيذكر الجبرتي أن الأمراء صاروا يفتشون بيوت النصارى الأقباط والشوام والأروام والكنائس والأديرة على الأسلحة والعامة لا ترضى إلا أن يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام منهم ولولا هذا المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة. ولما دارت رحى الحرب ما بين العساكر الفرنساوية والجنود العثمانية اغتنم المسلمون فرصة خروج الفرنساويين من القاهرة إلى ميدان القتال بالمطرية وثاروا على النصارى فشرعوا يجزرونهم غير مميزين بين القبطي والسوري والأفرنكي فجرت الدماء كالأنهار حتى خلت الدور ولم يبق فيها نافخ نار"
    ربما وجد في موقف الأقباط ما كان يبرر هذه الروح العدائية ضدهم فبونابرت كان أول من أرسل في طلب المعلم جرجس الجوهري الذي قدم إلى إلى الجنرال الفرنسي أعيان القبط ومن الطبيعي أن ينتهز بعض الأقباط هذه الفرصة ليقدموا فروض الطاعة للرجل الذي جلس على أنقاض المماليك ورسخت قدمه في بلد يعتقدون أنها في الأصل بلدهم لذلك بعد أن استولى نابليون على القاهرة ظن النصارى أن الجو صفا لهم لكن انتصار الفرنسيين لم يؤثر على سلوك الأقباط ولم يبدو أي اهتمام بدخول الجيوش المنتصرة القاهرة مما دعى الجبرتي لاتهام النصارى صراحة بالتعاون مع الفرنسيين كما حمل على المباشرين الأقباط الذين يقومون بجباية الضرائب "على طريقة كبار الموظفين" أي باستعمال السوط وقال "إن الأقباط والسوريين واليونانيين واليهود أصبحوا لا يحتملون لأنهم يركبون الخيل ويحملون السلاح"
    كان الأقباط أول المضطهدين أيام الاحتلال الفرنسي أو وقت خروجهم نتيجة تودد بعض الأقباط للفرنسيين أملاً أن يكون لذلك فائدة للأقباط وترقية أحوالهم.
    قبل الاحتلال البريطاني لم تكن وظائف الحكومة المصرية ولا المناصب الكبيرة فيها موصدة الأبواب في وجه القبط ويحمل التاريخ افسلامي أمثلة تظهر بجلاء أن الدين لم يكن على الإطلاق عائقاً يمنع توظيف الأشخاص الأكثر كفاءة في أعمال الإدارة بغض النظر عن ديانتهم.
    تخصص الأقباط في الأعمال الحسابية والمالية فكان منهم الموظفين المدنيين والكتبة والمحاسبين والمساحين كما يقومون بعمليات تقسيم التركات العقارية وعهد إليهم البكوات والمماليك والكشاف بتحصيل الضرائب وتقديرها وتوزيعها على الأطيان والحاصلات فكان لهم من هذه الناحية من إدارة الحكومة سلطة مطلقة لا ينازعهم فيها منازع ولا رقابة عليهم وما يثبتونه في دفاترهم حجة لا جدال فيها فكان منهم الصيارفة ويعلوهم المباشرون يرأسهم رئيس يسنى كبير المباشرين وله ةنفوذ عظيم يستمده من اتساع أعمال وظيفته وتفرعها في الأقاليم وبالإضافة إلى ذلك فقد برعوا في أعمال التجارة وصياغة الذهب والنجارة والبناء والمعمار والصناعة إلى حد بعيد.
    كان الأقباط من وراء علي بك الكبير في محاولته الاستقلال بمصر عن السلطان عام 1768 يشجعونه وينظمون له حركته ويعينونه على القيام بها فقد كان المعلم رزق اليد اليمنى لعلي بك الكبير إذ كان كاتب سره زمدير حسابات الحكومة في عهده وكان مستشاره ومرجعه في شئون الدولة وكان أكثر الاحتفالات والمهراجانات التي أقيمت تيمنا بإعلان استقلال مصر عن تركيا هي التي أقامها الأقباط حيث تكلفت نحو 20 ألف ليرة إنجليزية وحرض المماليك على قتل المهعلم رزق لدوره وخلف المعلم رزق المعلم غبراهيم الجوهري.
    أصبحت الحكومة في ظل محمد علي وخلفائه أكثر تحرراً من النفوذ التركي القديم فجاء حكمهم نعمة بالنسبة للأقليات وخصوصاً مع الاختفاء التدريجي لفكرة الثيوقراطية والاتجاه نحو مبدأ القومية الذي يمكن أن يجمع الأقباط إلى جانب المسلمين.
    ما إن قبض الإنجليز على السلطة حتى اختفى أكثر الرؤساء القبط من الإدارات والمناصب العليا في الدولة وقل عددهم بالتدريج في مناصب القضاء وتم إحلال السوريين محلهم بحجة أن طريقة حساباتهم عتيقة ويلاحظ أن هذا الاختفاء قد شمل المسلمين في البداية باعتبار أنه لا فائدة منهم فأصبح السوريون ومعظمهم مسيحيون يمثلون في مصر طبقة متحالفة مع الاحتلال تحجب الطبقة الوطنية المتعلمة وتحول بينها وبين تبؤ المناصب . لقد كان في عزم "كرومر" لدى قدومه لمصر ألا يستخدم إلا المسلمين ويقول الصحفي "قرياقس ميخائيل" أن القبطي في عهد الاحتلال فقد الكثير من وضعه السابق في مصر هو في خطر أن يفقد القليل الباقي ولم يكن للمسلمين اعتراض على تولي القبط قبل أن تنشر السلطات البريطانية فكرة أنهم غير اكفاء لها."
    ويمكن تفسير ذلك بمرونة السياسة البريطانية تجاه الاختلافات الطائفية وإن كانت تستهدف إثارة الشقاق لكن بغير حرص على أن تكون وسيلة إثارة الشقاق هي الاعتماد على الأقلية فقد اعتمدوا على الهندوس في الهند لأن المقاومة الأكبر للاحتلال الإنجليزي كانت من المسلمين فلما ثار الشعور القومي لدى الهندوس بدأوا في التقرب للمسلمين رأى "كرومر" أن الأقدر على مصالحة الإنجليز هم الأقباط لكن الشرق غير عقلاني لأن العدالة في نظر القبطي تعني المحاباة وهم غير أصدقاء للمصلح الإنجليزي ويقاومون الإصلاحات التي أدخلها الإنجليز لكن الأمر لم يكن لا منطقية الشرق ولا العدالة الإنجليزية بل لأن الخلافات بين المسلمين والأقباط كانت محدودة جداً فحرص الإنجليز على استبعاد الأقباط وإثارة معايير العدالة الإنجليزية لدى المسلمين وحق الأغلبية في المناصب الرسمية والإحساس بالفوارق الدينية مع تقدير أن هذه السياسة ستلصق بالحكومة المحلية المسلمة وبهذا يتخلص الإنجليز من العنصر القبطي وإحلال أقليات أخرى من الشوام والبروتستانت وغيرهم ومع الزمن تثور مشكلة اضطهاد الأقباط واستبعاد الأقباط وتتبادل ردود الفعل العشوائية وغير العشوائية وينمو الإحساس الذاتي لدى كل من الأقباط والمسلمين مع العمل على جذب بعض عناصر القبط إليهم ثم تثور المشكلة فيتدخل الإنجليز لعلاجها لصالح الأقباط لتظهر بريطانيا بمظهر من يحميهم من المسلمين.
    وتعاصر مع سبق الشقاق بين الأقباط أنفسهم بسبب المجلس الملي وتقليص نفوذ البطريك أما السبب الثاني لهذه السياسة فهو النفوذ الديني لمصر في العالم الإسلامي ودور الأزهر بين المسلمين وعد رغبة بريطاتنميا بإثارة المسلمين في بقية مستعمراتها.
    فقد عدل الإنجليز عن مناصرة الأقباط واستخدامهم واستخدموا بدلاً منهم مجموعات صغيرة من الشوام غير المسلمين الذين تمتزج القيم المسيحية لديهم بالقيم الغربية وقلة من الأقباط ذوي الشمائل الغرلابية ممن تعلموا في مدارس التبشير أو مسلمين تعلموا في المدارس العلمانية الأجنبية او التبشيرية فارتكز الإنجليز على الذوات والأعيان في تقوية المشاعر الذاتية بين المسلمين والأقباط تقوية من شانها أن تؤدي للفرقة الطائفية وذلك من خلال حلفائهم في الجانبين المسلم والقبطي.
    بزغ فجر القرن الماضي والعلاقات على أسوأ ما تكون بين الأقباط والمسلمين إذ انحاز بعض الأقباط إلى صف نابليون وزودوا جيشه بالرجال والعتاد وتجسسوا له على الثائرين وأقاموا جهازه الإداري ونكل المسلمون بالأقباط وهاجموهم فرادى وجماعات واعتدوا على ممتلكاتهم وأرواحهم وكانت الاعتداءات والعداوات بين المسلمين والأقباط التي روى الجبرتي الكثير منها في الجزء الثالث من تاريخه كافية لأن يدخل بها الباط المرحلة الأولى من تطور الشعور القومي من باب خاص بهم وهم يعتقدون أن ولوجهم إياه على حدة ضماناً لكفاءتهم وحماية لحقوقهم وكان ذلك من باب الفرعونية وإرجاع تاريخ مصر كله إلى ذلك العهد البعيد على أساس أنهم بقايا سكانمصر القدماء الذين ينتسبون إلى العهود الفرعونية وليسوا من أحفاد القبائل العربية وتطورت الدعوة للقومية المصرية إلى الدعوة للقومية القبطية لا بمعنى الانفصال بل غحياء كيان سياسي متميز عن الاختلاف الديني ويضم الامسلمين والمسيحيين المصريين معاً.
    (نقلاً عن رمزي تادرس) كان هذا الفكر معادياً لفكرة الجامعة الإسلامية ولدعاته الذين إذا طلبوا الاستقلال كان فقط لجلاء المحتلين المسيحيين وبقاء سيادة العثمانيين المسلمين ولو كان في بقائه منافاة لمعنى الاستقلال الصحيح.
    وهاجم تادرس الحزب الوطني واتهمه بالعمل ضد مصر واستشهد على ذلك بأن مؤسس الحزب شاب مصري الولد بغدادي الأصل.
    وقد أثرت هذه الآراء على عدد كبير من الأقباط منهم تادرس شنودة المنقبادي صاحب جريدة مصر
    وكان ممن عنوا بمتابعة نشر النظريات القومية الفرعونية العالم مرقص سميكة الذي أنشأ المتحف القبطي فقد في محاضراته ومقالاته ما بدأه زملاؤه من قبل من تمجيد لعصر الفراعنة على حساب العصور العربية واتهام العرب بالنواقص التي تتبرأ منها مصر واعتبارهم مجرد غزاة عتاة لمصر ومطالبته بتعليم التاريخ الفرعوني في المدارس
    ظهر العمل القبطي المنظم في سبيل القومية الفرعونية من جانب الأقباط في أوجه النشاط من أوائل الصحف جريدة الوطن التي أسسها ميخائيل عبدالسيد في 17/ 11/ 1877 واستمر يصدرها إلى عام 1879 وكان مديرها جرجس ميلاد وهي تهتم بقضايا طائفية وتمهد للدعوة الفرعونية وكانت ذات طايع سياسي وأدبي تنطق بلسان الوطنيين قبل الاحتلال وبعده.
    ولكن علىالرغم من مقالات الوطن الوطنية في حقوق الشعب واستقلال مصر والدعوة لوحدة الوطن فقد غيرت رسالتها واتجهت اتجاهاً جديداً حتى أنها كما تقول عن نفسها "إن جريدة الوطن دون غيرها طالما دافعت عن سياسة انكلترا أو نشرت مآثر أهلها ومكارم أخلاقهم ...وما بالك بدولة بريتانيا المتمدنة المشهورة بحسن السياسة وفريد الكياسة ودهاء الرجال وسداد الأعملا فهل يظن أن يقابل معروفها بالجحود والنكران
    ص. 342 أما توفيق حبيب الذي كان يكتب في صحيفة مصر فقد وصف ......

    سبب آخر أن محمد علي كان يعتمد على القبط في تحصيل الضرائب وكان يعين منهم معاونين له في حكمه ذي الطابع الاستبدادي مما أوجد شكوكاً لدى المسلمين تجاه تعيين القبط في المناصب الرئيسية كما تقع تبعة ذلك على العناصر اليبروقراطية من الطبقة الحاكمة من المسلمين الذين استبد بهم التنافس للفوز بمزايا المناصب الكبيرة إلى حد الترويج لفكرة الكفاءة الدينية والسبب الثاني تقع تبعته على ذات العناصر الحاكمة من القبط الذين أعانوا حكم محمد علي على الاستبداد وحكومات من سبقوه ضد الجماهير.
    لقد اختلطت المشاعر الدينية بالأحاسيس الوطنية في مقاومة الاحتلال البريطاني وحيث كان قادة مصر السياسيون ينددون بالأجنبي المحتل ويطالبون بالاستقلال والتحرر كانوا ينظرون إلى الدولة العثمانية المسلمة نظرة عطف بل كانوا يحسون بأنهم ينتسبون إليها ويشعرون بشعورها يساعدهم على ذلك شعور المسلمين العميق بالتدين.
    اتخذت صحيفة الوطن القبطية في البداية موقف الدفاع عن الدولة العثمانية والدعوة للحفاظ على الروابط مصر بالدولة العثمانية إذ كان من رأيه أنه كلما قويت الدولة العثمانية كلما كان في ذلك حماية لمصر من الأطماع الأوربية لكنه سرعان ما هاجم حزب مصر الفتاة الذي ألف مال الدين الأفغاني
    وبعد وفاة ميخائيل عبدالسيد تولى " جندي إبراهيم" مسئولي إصدار وتحرير الصحيفة وكان من أنصار الإنجليز في مصر وأحد أدوات الاحتلال في الدعوة لإنجلترا وسياستها في البقاء في مصر لذلك كان طبيعياً أن يعمل على محاولة فك ارتباط مصر الإسمي مع الدولة العثمانية خدمة للمصالح الإنجليزية الساعية إلى تحويل مصر إلى مستعمرة بريطانية مرتدية رداء الدعوة إلى القومية المصرية.
    وكثيراً ما هاجمت الوطن دعوة الجامعة الإسلامية وكانت تتحين الفرص للنيل من الخلافة وترى أن الجامعة الإسلامية وهم خلقه السلطان عبد الحميد الثاني لتهديد دول أوربا
    وإذا كان هذا هو موقف بعض الأقباط من الدعوة للجامعة الإسلامية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر فإن هذا الموقف يتكرر في النصف الثاني من القرن العشرين في شكل استياء بعض الأقباط مما وصف بانه نغمة جديدة تحمل اسم الوحدة الإسلامية التي عبأت لها أجهزة الإعلام من صحف ومجلات كافة قواها للدعاية لهذا المشروع
    فهب فريق من القباط للرد على هذه الدعوة ذاكرين أن هذا الاتجاه الحديث ذكرهم بما كان يقوم به الحزب الوطني منذ نحو سبعين عاماً من تعبئة صحافته وقواه منادياً بالوحدة الإسلامية والطعن المستمر في الأقباط وأصلهم بغرض تهييج عواطفهم وبذر بذور الشقاق بين صفوف الأمة.
    ورغم وطنية دعوة مصطفى كامل بجلاء الإنجليز إلا إنه لم يكن وطنياً كاملاً من وجهة نظر كثير من الأقباط
    فهو لم يذكر الأتراك بسوء إذ كان يؤمن بالولاء التام للسلطان ودعا إلى الخضوع له كما آمن بالجامعة الإسلامية دينياً وسياسياً فلم يستطع هؤلاء الأقباط أن يهضموا تلك الدعوة.
    ولم يستطع الأقباط أن ينصروا دعوة تدع الإيراني والأفغاني والتونسي إلى جانب المصري المسلم على قدم المساواة ثم تضع القبطب المصري في مرتبة أقل لذلك وقف غالبية الأقباط من حركة مصطفى كامل وقفة المتردد غير المؤمن بها ووصل الأمر ببعض الصحف القبطية أن أطلقت على ويصا واصف لقب يهوذا الإسخريوطي تعبيراً عن خيانته لطائفته.
    إن تعضيد مصطفى كامل لتركيا على أسس دينية ودعوته للجامعة الإسلامية قد أدى لإخافة الأقباط وابتعادهم عنه وتولى مصطفى كامل بنفسه الرد على هذه الأفكار ففي العدد السابع نشر رسالة بعث بها إليه أحد فضلاء الناشئة القبطية يعبر عن اندهاشه لمنادة مصطفى كامل بالجامعة الإسلامية وهو من أشد أبناء مصر حباً لها في حين لا يهتم بإخوانه الأقباط الذين هم "إخوتك في الوطنية وأقرب إليك من مسلمي جاوة وبخارة والهند فإذا كنت أنت الذي عرفت معنى الحياة الوطنية تجحف بالجامعة الجنسية ولا تملا جريدتك الغراء غلا بالمسلمين والإسلام فماذا تكون إحساسات المسلمين نحونا؟" وقد رد مصطفى كامل شارحاً رايه في الربط بين الوطنية المصرية والجامعة الإسلامية مؤكداً أنه لا لايوجد تناقض بين الدعوتين مؤكداً "أننا لا نبخس الجامعة الجنسية حقها ولا نأبى الاتحاد الأكيد مع إخواننا الأقباط فإننا نادينا بأن المسلمين والأقباط في مصر أمة واحدجة بل عائلة واحدة " وقال في مقال آخر "إننا في مصر أمة مشتركة" لكن الحزب ظب في نظر بعض الأقباط بصفة خاصة وبعض المصريين بصفة عامة مجرد داعية إلى الجامعة العثمانية يرغب في إحلال الاحتلال التركي محل الاحتلال الإنجليزي.
    موقف الأقباط من حزب الأمة الذي يمثل الاتجاه المناهض للفكرة الإسلامية
    رفض لطفي السيد أي قول بانتماء قومي لصر أبعد من حدود الوطن المصري واعتبر أن الجامعة الإسلامية لا أثر لها في مصر ولا نظن لها وجوداً في غير مصر وأكد أن التطور السياسي لم يعد يقبل بفكرة الجامعة الإسلامية وأن الحل البديل لها هو الدولة القومية المستقلة .. وكان يبرر ذلك بأنه يجب على المصريين أن ينفوا عنهم اليوم كما نفوا عنهم في الماضي كل تهمة من تهم العصب الديني pan Islamism والفانتسم Fanatism ولقد علموا أن هذه التهمة كانت من اكبر ذرائع تذرع بها الإنجليز لبقائهم في مصر وأعلن أن "أعمالنا السياسية يجب أن تكون قاعدتها المنفعة لأننا في زمان هو كذلك"
    وعندما تألف حزب الأمة في 21/12/1907 تصور الأقباط أن في نشوء هذا الحزب مخرجاً لهم من الموقف الذي وضعهم فيه اتجاه الحزب الوطني الإسلامي فرحبوا به أشد الترحيب فكان من بين أعضاء شركة الجريدة والذين أصبحوا نواة حزب المة البالغ عددهم 113 14 عضواً قبطياً وكانت كتابات أحمد لطفي السيد" تلقى صدى عميقاً عند الأقبتاط كما يذكر سلامة موسى لأن لطفي السيد هاجم حركة الجامعة الإسلامية إذ راى أنها تقسم ولاء السكان المسلمين وتغضب المسيحيين " خصوصاً وأن "كرومر" استغل الجامعة الإسلامية في الضرب على أيدي الوطنيين لأنها تعني رغبة في لذوبان في الكيان الإسلامي الأكبر مما يعد تراجعاً لا يفيد الاستقلال في شئ.
    لم تكف السياسة الاستعمارية عن اتهام المصريين بالتعصب الديني بقصد أن تؤدي هذه الدعاية إلى خلق التعصب خلقاً وأن تشيع جواً من التوتر بين عناصر الشعب الواحد وتهدم مع الزمن ثقة كل جانب في الآخر .. وكانت سياسة مصممة على تضخيم الحوادث الفردية التلقائية بصورة عفوية وتصويرها في صورة الصدور عن التعصب ..ز مع استعمال بعض الأتباع من كل فريق مع إشاعة الاستفزاز المتعمد واصطناع المعارك والتراشق بما يثير الحفائظ وما يضطرب به السلام ومع هذا كله تبدو الدعاية كما لو ان لها أصل في الواقع والحقيقة.
    وكان القصد من التاكيد علىالتعصب الديني أمران: الإساءة إلى سمعة المصريين أمام الرأي العام الأوربي والثاني إخفاء حقيقة الصراع بين الحركة الوطنية والاستعمار بتصويره كصراع ديني لا سياسي كما كان الهدف إعادة تكتيل القوى المواجهة على نحو يفيد الاستعمار وتصوير الحركة الوطنية على أنها حركة دينية غتيتها الارتباط بالدولة العثمانية لا التحرر والاستقلال وهذا التصوير من شانه أن يعزل المسيحيين المصريين عن ركبها.
    فعلق "كرومر" على حادث الهماميل عندما قتل يوناني مصررياً حجزه عن يوناني آخر يريد قتله فقال بعض المسلمين اقتلوا النصارى رامياً المسلمين المسلمين بالتعصب وهو ما أوضحه لطفي السيد بأن لفظة النصارى في لغة الرعاع مرادف للإفرنج أو نحو ذلك فلو كان في نفوسهم عصبية لكانت عصبية جنسية لا عصبية دينية أما الحادث الآخر فكان حادث العقبة 1905 حيث أيد الحزب الوطني دعوى تركيا بالسيادة عليها المر الذي فسره "كرومر" في تقريره بأنه يصدر عن التبعية الدينية لتركيا فرد لطفي السيد بأن الهدف هو مقاومة افنجليز كما أيد المصريون فرنسا في حادثة فاشودة.
    وقد استغل الاحتلال عدة أمور في خلق جو من التفرقة بين المسلمين والأقباط في مصر
    - ما كان يلتبس الحركة الوطنية من المسوح الدينية التي نتجت من سياسة الحزب الوطني بقادة مصطفى كامل 27/12/ 1907 حيث قدر الحزب الاستفادة من صلات شكلية بتركيا في صراعه مع الإنجليز دون أن يكون داعية للخلافة ولا عاملاً على عودة السيادة التركية ولكن أدت هذه السياسة إلى أن يتأثر بعض كتابه وأعضاؤه بما كان باقياص من أزيال فكرة الجامعة الإسلامية كشعار رفعه كثير من الشعوب الإسلامية وكان حرص الحزي على تحريك الجماهير باعثاً له على استخدام كل أساليب التحريك والإثارة وكان لا يزال في وجدان المثيرين من فكرة الجامعة الإسلامية بقية يعمل على تحريكها.
    - عمل الاحتلال البريطاني على خلق جو من التنافس بين الأقباط والمسلمين حول التعيين في وظائف الدولة حيث عمل الإنجليز على إقصاء الأقباط وزاحموهم بالموظفين الشوام واعتمدوا على كثير منهم في الأعمال العامة كالصحافة ثم بدأوا يستثيرون المسلمين من الموظفين بحجة أن القبط يزاحمونهم جهاز الوظائف والترقي وأنهم يشغلون نسبة من الوظائف تزيد كثيراً عن نسبتهم العددية إلى مجموع سكان مصر وبدأوا يفهمون الموظفين الأقباط أن ما يقف في وحه المزيد من ترقيتهم في وظائف الدولة الكبيرة هو الشعور الإسلامي فقال جورست في تقرير 1911 "القبطي إذا قلد منصباص عالياً يقتضي أن تكون بيده القوة التنفيذية وجد أن الفريق الكبر من الأهالي ميالين مضادته ولم يستطع الاعتماد إلى مبادرتهم إلى طاعته ومساعدته فلا يكون المدير القبطي في حالة يغبط عليها لا هو ولا ولاة الأمور الذين عينوه لذلك المنصب والتزموا أن يؤيدوه " وقال إنه " لايعرف واحداً منهم الآن يستطيع أن يتغلب على مصاعب مثل هذه" وأصبح يتردد لدى المسلمين بأن للأقباط وظائف تزيد عن نسبتهم العددية فليس لهم حق الشكوى ويتردد بين الأقباط بأن المسلمين هم سبب منع الأقباط من تولي الوظائف الكبيرة ... وكان يمكن أن يبقى أمر كهذا كمشكلة تصادف الفئات المعنية بها من الطرفين ولكن الصحف ذات المصلحة روجت لها بصورة جعلتها مشكلة عامة تتعلق بالوجود الطائفي وبهذا أصبح كل مسلم دون أن يدرس الموضوع مقتنعاً كل الاقتناع بأن الأقلية القبطية تشغل في إدارة البلاد أكثر مما يجب وأصبح كل قبطي يعتقد كل الاعتقاد دون أن يبحث أو يدقق أن المسلمين يحاولون سحق زملائه أو إقصائهم عن مناصبهم
    - وهناك أمر آخر هو أن الاحتلال البريطاني عمل على خلق فئة من أغنياء القبط والمسلمين وحرص على زيادة ثرواتهم وتضخيمها إلى حد ربطهم به وبسياساته وبالنسبة للقبط احتل الملاك الأقباط في تلك الفترة مركزاً هاماً بين أصحاب الملكيات أكثر من ألف فدان مثل عائلات خياط ودوس وبشرى حنا و ويصا في مديريات المنيا وأسيوط وأندرواس وبولس و بشارة عيد في قنا كما احتلوا مراكز صناعية هامة إلى جانب ثرواتهم الزراعية وحرص الاحتلال أن يغلب على هذه الفئة من المتحولين إلى البروتستانتية خاصة في أسيوط حيث ركزت البعثات التبشيرية في في بداية القرن العشرين كان الأقباط يملكون خمس ثروة مصر من الأراضي الزراعية والمباني خلاف ثرواتهم في المصارف برغم أن نسبة القبط كانت 6% فإنهم كانوا يدفعون 16% من الضرائب المستحقة على الأراضي وهذه العائلات البالغة الثراء لم يعرف لها نشاط اجتماعي واسع بالنسبة للأعمال الاجتماعية والخيرية التي تفيد القبط وكانوا عازفين عن نصرة طائفتهم الأصلية ضد سياسة التعليم التبشيرية التي أنشأت كلية البنات الأمريكية والمهم أنه كان لكثير من هؤلاء أثر كبير في محاولة تنمية الخلاف الطائفي.
    وسياسة الاحتلال هذه اتبعت بشكل عام تجاع بعض كبار الأثرياء من المسلمين حيث جند لخدمته من كبار الموظفين عدداً كبيراً تمكن به من الهيمنة على مقدرات جهاز الدولة وذكر الكاتب الإنجليزي هـ ليدرز أن بعضاً من كبار المسلمين ذكر له أن فكرة التمييز أوحى إليهم بها من الإنجليز أنفسهم كما ذكر الشيخ علي يوسف إن إشارة جاءته من جورست للقيام بخطة التفرقة الدينية وقال إنه قبل الاحتلال لم تكن توجد أي تفرقة بين المسلمين والأقباط ونجحت هذه السياسة بإثارة الفتنة الطائفية بين 1908- 1911.
    لقد بدأ الخلاف الطائفي بين المسلمين والأقباط عام 1897 عندما تشكل وفد مكون من ويصا بقطر و سرجيوس بطرس وأندرواس بشارة و د. أخنوخ فانوس وتادرس شنودة المنقبادي وقصدوا إلى مصطفى فهمي رئيس الوزارة واللورد كرومر لعرض الشكوى عليهما بأن هناك تعمداً للإغفاء عنهم بل وتمييزالمسلمين عليهم وقدموا عريضة في طلب المساواة في الوظائف الإدارية وفي عطلة جلسات المحاكم يوم الأحد وتعيين قبطي ثالث بمجلس الشورى وآخر بلجنة المراقبة القضائية تعليم الدين المسيحي للتلامذة الأقباط في المدارس الأميرية فأجاب كرومر مطلب تعيين عضو مجلس الشورى نخلة بك البارتي وتعيين عضو بلجنة المراقبة (واصف بك سميكة) الذي انتقل بعد ذلك إلى القضاء ولم يعين
    قبطي بدلاً منه وأجاب مطلب تعطل جلسات المحاكم الاهلية يوم الأحد فأصدرت وزارةالحقانية منشوراً بذلك (أبطل العمل به فيما بعد) وطلب إمهاله في الوظائف الإدارية والتعليم الديني.
    وكان رد الفعل أن كتب أباظة باشا الذي كان يحرر جريدة الأهالي مقالة تهكم وازدراء بالأقباط وبمطالبهم فرد أخنوخ فانوس على هذه المقالة بمقالتين نشرتا بجريدة مصر.
    أما حركة 1908 فبدأت عندما نقل حكمدار البوليس القبطي الوحيد وكان في مديرية المنيا إلى العاصمة في وظيفة مفتش ليقضي باقي خدمته في "المخزن" إذ تركت هذه الحادثة في نفوس الأقباط أثراص سيئاً فنشر صاحب جريدة مصر في شأنها خطابه المفتوح إلى الجناب العالي فوق صفحات جريدته بتاريخ 21/5/ 1908 معيداً فيه مطلب الأقباط القديم وهو إباحة جميع الوظائف في وجه الأكفاء من المصريين عموماً بلا تقيد بالمذهب والدين وعلى أثر خطابه اهتم مجتمع الإصلاح القبطي بالعاصمة بالموضوع وكتب فيه عريضة للخديو أناب في رفعها د. أخنوخ فانوس وتادرس بك شنودة وحبشي بك مفتاح فقدموها له فقبلها منهم واعداً إياهم بالنظر فيها وفي البداية أيدت جريدة "المؤيد" (لسان حال الحزب الوطني) وكذلك الجريدة (لسان حال حزب الأمة) مطالب الأقباط ولكت ما لبثت الفتنة أن بدأت تسري وتؤتي ثمارها فجة للوطن طيبة للمستعمرين.
    وكتب محمد فريد في مذكراته شاع وتحقق أن الأقباط ألفوا وفداً من بعض أكابرهم وأرسلوه إلى كرومر وجورست وغيره من رجال الإنجليز وإلى النظار يطلبون أن يعين وأن تعطى لهم الوظائف بنسية واحد إلى أربعة مع أن عددهم لا يزيزد عن نسبةواحد إلى خمسة عشر إلى غير ذلك من المطالب ويظهر أن ذلك لم يحصل إلا بدسيسة إنكليزية للتفريق بينهم وبين المسيحيين وفصلت جريدة "الأهالي" والظاهر أن الإنكليز لم يوافقوا عليها (ظاهراً طبعاً) وكان لهذه المسألة تأثير سئ لدى المسلمين سيعود على القباط بضرر بليغ في المجالات والوظائف الخصوصية.
    ثم قام بعض وجهاء القبط بترديد شكواهم ضد الحكومة في صفحات جريدة مصر معلنين أنهم لم يحرموا فقط من الوظائف الرئيسية ومراكز المديرين ونحوها بل وصل الأمر غلى حد الغبن في نظارات معينة كنظار المالية زهي النظارة التي كان كل مفتشيها تقريباص أيام إسماعيل باشا من الأقباط فلما جاء الاحتلال اتجه إلى إحلال الإنجليز والشوام فيها محلهم حتى إذا قصدت الحكومة إعطاء هذه الوظائف للوطنيين قصرت على المسلمين وحدهم دون الأقباط وظهر من لهجة الجريدة أنه أهاجها هذا التمييز فانبرت للاحتجاج عليه ولإظهار أنه لا فرق بين العنصرين.
    اقترح صاحب جريدة الوطن (جندي إبراهيم) تأليف وفد لمقابلة الحكومة لعرض هذه المطالب ثم قام أخنوخ فانوس بتكوين جمعية سماها "مجتمع الإصلاح القبطي" لنفس الغاية فتصدى ويصا واصف المحامي عضو اللجنة الإدارية للحزب الوطني لهذه المحاولات وكتب في اللواء يوجه الحديث لأخنوخ فانوس قائلاً" شكلت جمعية سميت مجتمع الإصلاح القبطي فنتخبت لها رئيس الطائفة الإنجيلية ثم دعوتنا إلى الانتظام في سلكها فسألناك ما غرضك وإلى أي شئ ترمين إن كنت حزباً سياسياً فنحن لك أعداء ألداء لأن السياسة يجب أن تكون بعيدة عن الدين ولقد وصلنا والحمد لله إلى أن جميع الأحزاب السياسية المصرية جعلت قاعدنها الأساسية التمييز بين الدين والسياسة فلا معنى لوجود حزب سياسي قبطي فلما قيل إن الجماعة بعيدة عن السياسة تبغي إصلاح الشئون الطائفية اعترض قائلاً" إن أقباط مصر ثلاث طوائف إحداها أرثوذكسية والثانية بروتستانتية والثالثة كاثوليكية فإصلاح أي طائفة تقصدين فلم تجبنا على هذا الاعتراض"
    وهاج غضب الصحف القبطية الانقسامية على الأستاذ ويصا واصف وأسمته بعضها ب"الخائن" ز "يهوذا الإسخريوطي" وشتدت حملتها على اللواء وعلى الشيخ عبدالعزيز جاويش الذي كان يتولى رئاسة تحريره وحاول اللواء تجنب الدخول في هذه الحملة لأنه يعلم أنها لا تمثل الأقباط في قليل أو كثير وأن الإنجليز يسرهم أن تقع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ويصرح بذلك فعلاً" ها هو السيد جورست يريد أن يقدم لقومه ثبل سفره إلى لوندرة ما يثبت لها مهارته حتى إذا حط به الرحل وخلا إى أولي الأمر فيها قال هأنذا فعلت ما لم يفعله سلفي ونجحت فيما فشل فيه أستاذي إذ حاول اللورد كرومر التفريق بين عنصري الأمة وطعن المسلمين بالقباط والأقباط بالمسلمين فلم ينجح ولم يفلح ولكن بإشارة صغيرة مني إلى فريق من صغار الموظفين نجحت أن أوجد الفكرة التي كان اللورد كرومر يجد وراءها فلا يصل"
    ويكشف هذا عن الأسلوب الذي تناول به الحزب الوطني منذ بداية الفتنة هذا الموضوع وهو أسلوب وطني يحرص على وحدة الأمة وهو في الوقت نفسه أسلوب سياسي يعرف أن الإنجليز بذلوا ما في وسعهم للتفريق بين المسلمين والأقباط ولم ينجحوا عندما كانت الحركة الوطنية في بدايتها فلا يجوز لزعماء هذه الحركة حينما يشتد ساعدها أن يعينوا أعدجاءها على ضربها في اقوى مقاتلها فتعلق اللواء على قول "أخنوخ فانوس" عند مقابلته للخديو بأنه لا تمييز بين طائفة دون أخرى دون أن يكون هناك سبيل للحزازات ويأخذ كل كفء مكانه كم الرقي في جميع دوائر الحكومة " قائلة ما كان أغنى حضرة فانوس أفندي عن هذه الحركة التي كان يخشى أن تجر وراءها شيئاً من التنافر بين أخوين عاشا دهراً على أحسن ما يكون الوفاق والوئام لولا ما أبدته الجرائد الإسلامية من التؤدة والحكمة في هذاالشأن لكن سرعان ما بدأت الصحف الوطنية تغير لهجتها إزاء هذه المطالب فعادت جريدة "الدستور " أولاً وبعض الجرائد الصغرى تبدي الاحتقار للأقباط وتبعتها اللواء والمؤيد فنشرت خطابات من مشتركيها كلها ازداء بمقاصد الأقباط وإنكار لحقوقهم في عدة وظائف من الوظائف الاميرية فقامت قيامة الصحف القبطية على اثر هذا ووصلت إلى أقصى تطرفها في مقال لفريد كامل المحرر بالوطن بعنوان الإنسانية تتعذب قال فيه إنه بيس هذا العصر بأخف وطأة من عصر الإسكندر ولا بأقل جرماص من عهد نيرون ولا هو يختلف فظاعة ونكراً من عصر دقلديانوس أو عصور الذين تقدموا أو عصور الذين تأخروا ... فإذا رجعت إلى تاريخ الإسلام في زهوه وعزته وعظمته ومجده لأدركت أن الاعتزاز بالقوة والاستهتار بالضعف هما الحجران اللذان بني عليهما ما يسمونه مجد الإسلام ولاشك أن دول أوربا المسيحية ومملكة اليابان الوطنية هي أيضاً تعمل عمل الإسلام في هذه اليام فتسطو كل منهما على الأمم الضعيفة وتنزع منها نعمة استقلالها بدعوى أنها تود أن تجود عليها ببركة المدنية فلا تلبث قليلاً حتى تحكم قدمها في الرقاب وتنشب في أحشائها الظافر والأنياب" وما إن نشر هذا المقال حتى رد عليه الشيخ جاويش بمقال في اللواء بعنوان الإسلام غريب في بلاده جاء فيه
    رميتم أنفسكم في حضن الإسلام فحقن دماءكم واستحيا نساءكم وأولادكم وزاد عن حياضكم ولو كان افسلام كما ذكرتم لسحقكم سحقاً ومحقكم محقاً ولذرى بقايا رفاتكم في الهواء وطهر الأرض المصرية من طلعتكم السوداء ... نعم إن هناك مناصب في دوائر الحكومة لا يمكن لغير المسلم أن يشغلها فهذه لا تزال في أيدي المسلمين ولن تزال خاصة بهم مقصورة عليهم ولو فتحتم أفواهكم بالصياح حتى بلغت بفككم الأعلى السماء وبالفك الأسفل مواطئ النعال إخسأا أيها المستهتران (يقصد فريد كامل وصاحب الوطن جندي إبراهيم ) فإن أمامكما حساباً إن أغفلته الحكومة فإن من ورائه أحد عشر مليوناً من المسلمين لا يفرطون فيه ولا يغفلون عنه
    وثارت ثائرة الصحافة القبطية فتتابعت مقالات مصر والوطن ترد على مقالة الشيخ جاويش الذي وصفته بالدخيل الذي قذفته بلاد تونس وأظهر كوامن حقده وهو ينفث من سموم تعصبه ضد المسيحيين المصريين بأقوال مثيرة للخواطر محرضة على الفتن ووصفت الحزب الوطني بأنه عصابة وبأن اللواء " عقرب تلدغ".
    وهكذا شابت الصحف في تلك الايام نزعة لم تعرفها الصحافة المصرية في تاريخها جميعه وتنزهت عنها الصحافة الوطنية في أدق مواقفها مع ما بذل من الجهد لإثارتها أثناء الثورة العرابية أو خلال حركة مصطفى كامل وتحول النقاش الصحفي إلى خصومة عنيفة بين المسلمين والأقباط كان صداها تلك البرقيات التي أرسلت من المسلمين إلى وزير الداخلية ليحاكم صاحب الوطن
    كما أرسلت برقيات مماثلة من الأقباط يحتجون على عبارات "اللواء" وانهالت الردود في صحيفة الوطن خاصة تهاجم الشيخ جاويش ومقاله فكتب أخنوخ فانوس يوالي هذه النغمة من الهجوم وينفخ في الشرر وذلك رغم مبادرة اللجنة الإدارية للحزب الوطني إلى إصدار بيان تبرأ فيه مما كتبه الشيخ جاويش في صحيفة الحزب وقال البيان "إن كل صحيفة أو أي شخص أياً كان دينه يثير الخواطر بنشر الطعن على الأديان أو على أي عنصر من عناصر الأمة المصرية هو وحده المسئول عن عمله فهو لا يعبر إلا عن فكره الخصوصي " وكان هذا القرار ضعيفاً إذ أن اللواء أعقب القرار بقوله إن مقال جاويش كان دفاعاً عن المبادئ الإسلامية ومجد الإسلام ولم يدن القرار مقال جاويش كما أن جريدة الحزب لم تكن مجالاً لعرض الآراء الشخصية في اخطر المسائل الوطنية ويبدو ان هذا الموقف هو الذي دفع ويصا واصف إلى تقديم استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية للحزب الوطني في أغسطس 1908 والتي حرصت جرائد الحزب الوطني على عدم نشرها وتبعتها استقالة عدد من الأقباط في الحزب ورحبت الصحف القبطية بذلك وعدته دليلاً على تقهقر العصابة المتعصبة المعروفة بالحزب الوطني وفوز الحق على الباطل وتقهقر الجزب الوطني في مصر بغير نظام ولاشك ان العمل الوطني ضعف بحرمان الحزب الوطني من رجل مثل ويصا واصف وخلو لجنته التنفيذية واللجنة الإدارية من ممثل للأقباط مما حرم الحركة الوطنية من الوحدة المطلوبة وسهل بعد ذلك انقسام الوطنيين المصريين

    وتلقت الصحافة الاستعمارية هذا التصعيد للانقسام وإثارة المسيحيين فأيدت البروجريه الاحتلال وأقوال كرومر عن تعصب المسلمين وأثارت أحقاد القبط التاريخية عن حملهم على الدخول في الإسلام وكررت الجازيت أقوال ملنر عن الكراهية الدينية الموجودة ضد القباط وتحذيره لهم بأنه لن يمضي وقت قليل حتى يدرجوا في قوائم النفي والإعدام وبدأت الدعوة والتبرعات لإرسال وفود إلى الخارج لإظهار حالة مصر كما أن الصحف الوربية في الخارج والصحف اففرنجية في مصر زعمت أن المطالب الخاصة بالاستقلال والدستور مصدرها الوازع الديني لا السياسي وهكذا نجحت سياسة جورست سياسة الوفاق بعد كسب ثقة الخديو
    حيث اتجه إلى القضاء على تجانس الحركة الوطنية بعزله الأقباط بعيداً عنها بطريقة تجعل المسلمين ينظرون إلى الأقباط والمسيحيين الأجانب في مصر على أنهم متحالفين إما كأصدقاء أو كخدام للطبقة الحاكمة
    وتوصل لذلك باستئناف سياسة كرومر باستبعاد الأقباط وتقريب الشوام لخلق نوع من المنافسة بينهم وبين الأقلية الوطنية الأخرى وهي الأقباط في السعي للتقرب من الاحتلال لطبعهم بالثقافة الإنجليزية وليكون لهم الفضل من بعد إذا هم اعادوهم إلى هذه الوظائف من ناحية أخرى وقد أعادهم فعلاً فأصبح الكثيرون منهم في المصالح الأميرية وخاصة أن الكثيرين منهم تهذبوا في مدارس الأمريكان وقد ساعدت هذه السياسة الاستعمارية على خلق جيل من الأقباط مال إلى الإنجليز بحكم الثقافة الاستعمارية التي تشربها وبحكم ارتباطه بالكنيسة الإنجيلية والتخلي عن مذهبه الوطني وهو ما كان جورست حريصاً على تأكيده في تقريره عام 1908.
    ونتيجة لذلك كله وقفت الصحافة القبطية موقفاً ودياً حيال بريطانيا في عهد جورست جر إلى هجوم عناصر الحزب الوطني على المسيحيين فكان عاملاً مساعداً على تدهور مركز الحزب الوطني وأخذالحزب يهاجم الأقباط ودعاهم بالمتمرغين على أقدام الاحتلال
    وتقلصت واجهة الوحدة دون أن يقوم مكانها شئ آخر وظهرت خمسة أحزاب عكست استعدادها للتعاون مع بريطانيا هي الحزب الوطني الحر او حزب المصريين الحرار والحزب الوطني وحزب الأمة وحزب افصلاح على المبادئ الدستورية والحزب المصري (حزب المصريين المستقلين) ومؤسسه أخنوخ فانوس وقد عبر قيام هذا الحزب أو الإعلان عن قيامه عن الفكر السياسي لبعض الأقباط في تلك الفترة أخنوخ فانوس تلقى تعليمه في المدرسة افنجيلية بأسيوط وأكمله بالجامعة اظلمريكية في بيروت وانتخبته بلدة أبنوب نائباً عنها في مديرية أسيوط عمل بالمحاماة سنة 1884 لدى المحاكم الأهلية وانتخب أثناء ذلك نائباً عن طائفة القباط البروتستانت في لجنة القرعة العسكرية وهو من أوائل من يواجههم الباحث بالنسبة لدعاوى الشقاق الطائفي في مصر برغم كونه غير تابع للكنيسة القبطية الرثوذكسية مذهباً وتعليماً فقد كان من الذين تقدموا لكرومر بعريضة عن مطالب القباط في 1897 وتقدم إليه مرة أخرى في عام 1907 فوعده كرومر بالتوصية لدى جورست لتحقيق هذه المطالب بعد ان عدل بعضها ثم تقدم إلى جورست في 25 يونيو 1908 بعريضة أخرى وأدلى بتصريحاته للجازيت في 31 / 8/ 1908 بوجوب "تأمين وضع افنجليز في البلاد وأنه يجب على انجلترا أن تتغلب على مصاعب الحكم وكان الإنجليز معجبين به فقال عنه الكسندر "إنه قبطي ذو ذكاء وفطنة .. وجه انتقادات لسير "الدون جورست بشأن الحكم المحلي الذاتي" وقد أراد فانوس بهذه الحملة أن يثبت اعتراف المندوب السامي بضرورة إرضاء الرغبة العامة في المشاركة في شئون الدولة وكان يؤمن بصفة خاصة بعبارة اللورد دوفرين بأن الحكم الذاتي المحلي هو أفضل وسيلة للتمهيد للنظام الدستوري وكانت الفتنة الطائفية عام 1908 التي دعت أخنوخ فانوس 1865- 1918 إلى الخروج من الحزب الوطني وتكوين حزب مصر المستقلة من الأقباط العاملين في حقل السياسة مع بعض الأغنياء ذوي النفوذ والسلطة
    وقد سجل فانوس آراءه في برنامج الحزب الذي دعا إلى تشكيله رسمياً في 31 أغسطس 1908 وأعلن فيه بدون تردد أن الصداقة والتعاطف مع الإنجليز أمران ضروريان لخير مصر لكنه هاجم موقف انجلترا من مصر لاعتراضها على منح المصريين زمام الحكم فكانت فلسفة الحزب محاولة الحصول على الاستقلال عن طريق الصداقة المصرية البريطانية وكسب ثقة بريطانيا.
    ولأخنوخ فانوس عدة مقالات وأبحاث في القومية المصرية الفرعونية وفي وسائل إعادة بناء مجد مصر التليد وكان شعار ورمز حركته مصريون قبل كل شئ ويظهر أن أخنوخ فانوس كان يسمي الحزب في البداية باسم أحرار الأقباط لكنه قوبل بالانتقاد الشديد من داخل الأقباط أنفسهم فعدل عن هذا الاسم لإلى اسم الحزب المصري ونشر أحد الأقباط في الجريدة " من الواضح أن حزب أحرار القبط حزب قبطي أفلا يكون هذا مخالفاً لما يطنطن به أخنوخ فانوس في الجرائد الاحتلالية وإن كان يعمل على عكسه من أنه لا يجب أن تكون للأحزاب أدنى صبغة دينية أو ملية وأنه لا يجب أن يوجد في مصر مسلمون وأقباط
    بل مصريون فقط وأن الدين لا يجب أن يتعدى دائرة الضمير والقلب ألا يعد صنعه هذا عاملاً من عوامل التمييز بين عناصر الأمة المصرية وما قوله لو قام جماعة من المسلمين وأسسوا حزباً إسلامياً أياً كانت خطته وتسميته؟"
    جاء الحزب المصري كرد فعل لسيادة الاتجاه افسلامي الواضح الذي تميزت به سائر أقوال وأعمال الحزب الوطني مما أثار مخاوف الأقلية القبطية من أن يتحولوا في هذا الاتجاه إلى "مواطنين من الدرجة الثانية" ولذلك لم ينضم الشبان القباط إلى الحزب الوطني برغم شرائهم اللواء لأنهم كانوا يجدون بعض الاستياء من الدعوة الدينية داخل الحزب الوطني وثانيهما انهم كانوا يضيقون بالدعوة العثمانية وكان منطقهم إذا كنتم تدعون إلى جامعة إسلامية وغلى تأييد الحقوق العثمانية في مصر مع أن الأتراك ليسوا فقط أجانب بل إن تاريخهم يحفل بالمظالم في مصر فإن لنا الحق في الاتجاه نحو جامعة مسيحية والاعتماد على الاحتلال البريطاني ولذلك احتمى القباط من هذا الاتجاه بالمغالاة في رفع شعار المصرية واعتبار الوطنية القبطية إنما هي صنو الوطنية المصرية بغض النظر عن الدين.
    وهناك رأي آخر بأن اتجاه الحزب الوطني افسلامي كان معروفاً منذ إنشائه وقامت أحزاب وهيئات تتجه اتجاهاً دينياً أكثر ومع ذلك لم يقم الأقباط بتأليف حزب وغنما كان تأليف هذا الحزب وفق هذا الرأي استجابةة لموجة التعصب العمياء التي اذكاها الاحتلال منذ بداية تولي جورست السلطة وانفجرت عام 1911 ولعل هذا الرأي أقرب للصواب.
    ويبدو من برنامجه الاتجاه العلماني على أساس أنه بديل للاتجاه الديني الذي تبناه الحزب الوطني م 3 تحت عنوان الوسائط والإجراءات الللازمة للوصول إلى الأغراض "فصل الدين عن السياسية فصلاً تاماً والمساواة في الحقوق الوطنية بين المصريين بلا تمييز مطلقاً بسبب الجنس والدين أما انجلترا م 5 عقد معاهدة بين انجلترا ومصر مقتضاها من جهة ضمان حرية تجارة انجلترا في مصر وتسهيل طريق الهند لها في وقت السلم والحرب في دائرة حدود مصر ومن جهة أخرى تعد انجلترا بالمحافظة على استقلال مصر والمساعدة في صد الغارات الأجنبية عنها.
    لكن هذا الحزب لا يمكن الجزم بأنه قد خرج غلى النور فلم نسمع عن مقر له أو عن اسم عضو من ظاعضائه فيما عدا اسم الداعي إلى تأسيسه أو أي نشاط سياسي مارسه لأن بعض الأقباط قد وعي ما يمكن أن يترتب على هذا العمل من رد فعل إسلامي لن يفيدهم أو يفيد الوطن كله على وجه التأكيد ولأن صاحبه كان بروتستانتياً يرأس المجلس المللي لهذه الطائفة التي برغم زيادتها السريعة إلا إنها لم تتعد بضعة ألوف قليلة من الأقباط بالإضافة إلى أن الخلافات داخل الطائفة القبطيةبدأت تزداد مع نشأة الحزب وكان محور هذه الخلافات حول إدارة أوقاف الطائفة والأهم أنه حتى خلال هذه السنوات المبكرة كان منطق العصر يرفض قيام حزب طائفي.
    رأت الطان الفرنسية أن الخديو نصب كميناً بتعيين بطرس الي الذي توقع أن يهاجمه الحزب الوطني بما يزهره بمظهر الحزب الديني المتعصب ومن ناحية أخرى فإن هذا التعيين ألهى هجوم الحزب الوطني بعيداً عن خصومه الإنجليز وتحول إلى إخوانه الأقباط إذ اعتبر هذا التعيين تحدياً للجامعة الإسلامية وفاتحاً الطريق واسعاً لفتنة طائفية خاصة وأن المجتمع المصري كان مهيأً لذلك نتيجة احتدام الصراع بين الحزب الوطني يحركه دعاة التعصب وبين الصحف القبطية المندفعة ومن وراء بعضها سلطات الاحتلال فجاء تعيين بطرس غالي كأحد أساليب سياسة جورست القائمة على إحداث تمزق بين المسلمين والقباط وفصم عرى تحالف الأقباط مع الحركة الوطنية حتى عام 1918 حيث رأى جورست أن يضم غلى جانبه الأقباط بانتخاب وزير أو رئيس للوزراء منهم وهذه السياسة مطابقة تمام الانطباق لما حدث في الهند حيث كانت الأقلية مضادة للأكثرية المؤلفة من الهندوس وكان بطرس غالي في نظر الحزب الوطني رمز التعاون القبطي مع الاحتلال خاصة في أمرين هامين أديا إلى ثورة الوطنين عليه توقيعه عندما كان وزيراً للخارجية معاهدة الحكم الثنائي على السودان التي رأوها أنها سلبت مصر والسودان معاً وترؤسه محكمة دانشواي الشهيرة ذات الأحكام الجائرة لذلك جاء تعيينه رئيساص للوزارة مشيعلً مزيداً من الحقد والكراهية المتبادلة في العلاقات بين المسلمين المصريين والقباط المصريين
    وكتب محمد فريد في اللواء " نحن لا نبدي رأياً في سعادة الرئيس الجديد بل نجنهد فينسيان ماضيه ونأمل أن يمحو بخدماته ما نقش في الأذهان من تأثير أعماله الماضية ونحكم على أعماله في مركزه الجديد" في إشارة لتعاون بطرس غالي مع الإنجليز في توقيع معاهدة 1899 وترؤسه للحكمة المخصوصة كنائب لوزير الحقانية التي أصدرا أحكامها على فلاحي دانشواي
    أصدر مجلس الوزراء في 25 مارس 1909 قراراً بإعادة العمل بقانون المطبوعات القديم وكانت الجرائد القبطية من أكثر مؤيدي قانون المطبوعات وأخذت جريدة مصر تبرر صدور هذا القانون بانه نتيجة سياسة "الطيش والحماقة" كما صدر قانون النفي الإداري في 4 يولوي 1909 كما شغل الرأي العام بقضية مد امتياز شركة قناة السويس أول 1910
    وكان إبراهيم ناصف الورداني أحد أعضاء جمعية سرية تدعى " جمعية التضامن الخوي " وهو شاب كيماوي حاضراً إحدى جلسات الجمعية العمومية أثناء نظر مشروع المعاهدة وكان عقدها علنياص في 10/2/ 1910 وكان التوتر قد بلغ أقصاه في هذه الجلسة وروى سعد زغلول أن البرنس حسين كامل رئيس الجمعية كان منفعلاً وتكلم بعنف مع بعض العضاء إلى حد التعدي ثم سارع بفض الجلسة بعد مناقشات حادة حول تخويل الجمعية حق الرأي القطعي وكان لذلك تأثير سئ في نفوس العضاء والعامة مما أثار الورداني فأطلق النار في 21/2/1910 على رئيس الوزراء الذي توفي بعد عملية جراحية لاحقة.
    كان بطرس غالي في راي الإنجليز "أكفأ الأقباط وأبرزهم شأناً كما أن تعاونه مع الإنجليز قد أكسبه أرفع تقدير لديهم فهو من وجهة النظر الإنجليزية كان مقبولاً تماماً لأنه كان ذا خبرة سياسية وإدارية قديمة تعاون خلالها بهدوء مع السلطات الإنجليزية .. وبعد تعيين بطرس غالي في الحقانية عين عدداً من الأقباط في وظائف القضاء ولعل هذا التصرف هو ما دعا جماعة من خصومه أثناء حياته لاتهامه بالتحيز لأهل طائفته لكن محمد حسين هيكل دفع عنه هذه التهمة
    رأت سلطات الاحتلال ومثيرو الشقاق في هذه الجريمة فرصة نادرة لاستغلال الشعور العام الحزين لدى الأقباط على فقدهم أحد زعماء الطائفة وأول من تولى الحكم فيها منذ تاريخ طويل لتفجير الخلافات الطائفية فيقول ب ج الجود أنه كان للدين دخل في هذه الجريمة الوحشية الشريرة لأن بطرس غالي كان رئيس وزراء مسيحي وان المتعصبين الذين أسئ توجيههم كانوا يتحدثون عن عملية الاغتيال وكأنها قد كفرت عن افهانة التي وجهت إلى الإسلام وأنهم كانوا يرون في الورداني البطل المنتقم لأمته وكتب جورست في تقريره عن عام 1909 تعليقاً على الحادث إن قتل الناظر الذي كان الاقباط يعدونه رئيسهم اقترن بظروف وأحوال أوغرت صدور الأقباط جداً على أبناء وطنهم المسلمين فقابلهم المسلمون بمثل ذلك وأكثر ورأت الصحف القبطية وعها كثير من القبط أن هذه الجريمة لم ترتكب إلا بدافع من التعصب الديني وأن بطرس غالي لم يقتل إلا لأنه قبطي وساندتهما في ذلك بعض الصحف الجنبية مثل الإجيبشيان جازيت التني ردت أصول الحادث وفروعه إلى اللواء وترجمت بعض مقالاتها جريدة المقطم والأخبار وشاركتهما صحيفة المؤيد والوطن في الحملة على الحزب الوطني وإلقاء التبعة على مقالاته.
    توجه الوطن النداءات المثيرة عن الضيم الذي يلحق بالقبط وعن استنهاض الهمم من جبن الامتثال لهذا الواقع الذي تصوره ثم تعلن "إن لم تنجخوا فعليكم بالدول الأوربية رة الإنسانية وأولهم الدولة الإنجليزية " وكانت نداءاتها لا بالمساواة بين القبط والمسلمين فحسب في تولي الوظائف العامة بل والتحدث عن أحقية القبط والمسلمين فحسب بل والتحدث عن أحقية القبط في توليها لأنهم اكثر كفاءة ومن ذلك أيضاً أنها كانت تنشر التلغرافات تارة بالتماس أن يكون رءيس الوزراء منهم وتارة بأن يكون لهم على القل عضو في الوزارة .
    وراحت الصحف القبطية تكيل التهم للمسلمين عامة وللحزب الوطني ورجاله وصحافته خاصة في عنف بالغ وراح هؤلاء يردون على هذا العنف بعنف مثله (عناوين مصر انقضى عصر المجاملة) بعد أن اعتبروا الورداني شهيداً وطنياص عظيماً بل إن العناصر المعتدلة مثل إبراهيم الهلباوي الذي كان صديقاص حميماص لبطرس غالي تحول لعض خدماته على الورداني كمحام عنه أمام المحكمة سعد في مكراته" وقد فرح المسلمون فرحاً عظيماً بهذا الحادث واستبشروا به خيراً وتناجوا باستحسان فعل القاتل وود كثير منهم لو يفلت من العقاب" وبعد صدور حكم الإعدام أصدر المفتى الأكبر فتوى من دار الإفتاء والمحكمة الشرعية يعلن فيها أن الحكم غير شرعي لأسباب منها أن الميسلم الذي يقتل كافراً لا يعدم لذلك فإنه بقدر ما تتحمل جريدة الوطن ومصر وزر تفجر هذا النزاع الطائفي تتحمله الصحافة الإسلامية بل والموالية للاحتلال المعارضة للحركة وأيضاص قسم من الرأي العام المصري الذي قابل عمل الورداني بالتهليل بحيث استقبل تعيين محمد سعيد خليفة لبطرس غالي كانتصار للحركة الوطنية فكان سعيد من أتباع مصطفى كامل وكان على خلاف مع سعد زغلول و بطرس غالي وبذل الوطني محاولات عديدة للعفو عن الورداني وهتفت الجماهير في الشارع للورداني وقالوا القصائد في مدحه
    استخدمت الصخافة الاستعمارية مثل الجازيت فتوى المفتي وسيلة للطعن في الإسلام وإثارة الأقباط الجازيت "إن الشريعة لا تحسب حياة الوزير المسيحي الأول شيئاً مذكوراً في جنب أحقر المسلمين"
    وكانت الحادثة و ما لابسها من اتهام الحزب الوطني بالتعصب بداية لتنكر فريق من القباط للحركة الوطنية فاضطر ويصا واصف ومرقص حنا لعدم الاشتراك في المؤتمر الوطني في بروكسل لكن لم يكن دعاة الشقاق من القبط يمثلون أغلبية و لا استطاعوا أن ينجحوا في جذب الكثيرين إليهم زلا كانوا بقصدون دعوة انفصالية كذلك الشأن بالنسبة لذات الدعاة من المسلمين غذ غلبت كفة العقلاء من الجانبين يهاجمون الشقاق ويحذرون منه سواء في الحزب الوطني أو الأمة وغيرهم من العاملين في الحياة العامة فعملوا على تصفية الخلاف وكان حذر العقلاء دائماً أن الخلاف لن يفيد إلاالمستعمرين وكان غالب الجدل المتبادل بلغة المصلحة الوطنية
    وتكون أيضاً وفد من كبار المحامين المصريين لمحاولة سد الطريق أمام الفتنة في البلاد ودعا إلى وقف الجدل فيما يخل بالوحدة الوطنية.
    بداية الدعوة للمطالب الاقتصادية للأقباط في المؤتمر القبطي ، المتطرفين الأقباط تزين الوجود الإنجليزي الصحف الفرنسية في مصر حملت على جندي والمنقبادي اللذين يدعيان حماية أبناء طائفتهما وأخذا يرسلان سيلاً من المطاعن في المسلمين.
    وهاجمت لا ريفورم قرياقص ميخائيل بالتايمز من أن الأقباط نسل المصريين القدماء وهم يعتبرون الاحتلال البريطاني الوسيلة الوحيدة لتقدم مصر وسيادتها ونشرت ايجبشن شرشتن أخبار تبرعات لإنشاء المساجد تبرع خليل بك إبراهيم لإنشاء مسجد في الغربية وإلقاء خطبة عن واجبات الوطنيين جميعاص على اختلاف مللهم وطوائفهم نحو الوطن العالي كما أرسل نصيف جندي المنقبادي في باريس إلى صحيفة الإكلير خطاباً يقول فيه "انا أعرف الورداني شخصياً وهو فتى شديد الذكاء كثير المعارف ملأت صدره الوطنية الحرة وليس رجلاً متعصباً وأنا بصفتي قبطياً - أعني مصرياً مسيحياً- أصرح بأن حركتنا هي حركة وطنية مجردة ترمي إلى الترقي والحرية وما تهمة التعصب الإسلامي إلا من إشاعات الإنجليز التي يشيعونها ليبرروا المظالم التي يرتكبونها في مصر.
    الأقباط في الحياة السياسية1911
    كانت الفكرة الأصلية لعقد المؤتمر القبطي هي تأييد سلطة المجلس المللي بحيث يكون له الإشراف على حسابات الطائفة في الأوقاف لكن بعذض الدوائر القبطية استخدمت حادث بطرس غالي في تحويل المؤتمر عن قصده الأول فمع بداية العام الجديد عادت النغمة البغيضة للظهور فاعترفت جريدة الوطن بأن " الأقباط كانوا معضدين للاحتلال مخالفين للمتطرفين في السياسة المحلية ليس لأنهم يكرهون بعض إخوانهم المسلمين بل لأنهم تخوفوا من عاقبة إلقاء مقادير الأمور إلى فئة زعماء الأكثرية أو سوء إدارتهم ومن ظلم أفراد هذه الفئةفرأوا أنه لا ينقذهم من الجور إلا يقاء الاحتلال في مصر وبقاء السيادة الأجنبية ريثما يقوم من أهل الوطن جيل جديد لا يميل إلا الاستثناء بالقوة وحرمان الأقلية حقوقها " وقررت الجردية أن الأقباط " قد مالوا إلى الاحتلال بسبب أعمال نافعة قام بها في البلاد لا يمكن إنكارها وبسبب تطرف رؤساء الأحزاب في إظهار الكره لكل من خالفهم رأياً ومحاربتهم له بسلاح الدين فلو أن الخلاف كان سياسياً محضاً لوجدت في الحزب الوطني أقباطاً وفي غيره مسلمون لكنهم مزجوا سياستهم بالدين فأوجبوا هذا الانقسام
    لكن " الوطن " عادت تهاجم سياسة الإنجليز فيما يختص بالوظائف الإدارية بكلمات حادة الأقباط فيها
    وقامت الصحف الأجنبية في مصر تذكر نار الفتنة وتشجع على انقسام الصحف إلى فرق فردت (الجازيت) على صاحب (المؤيد) بشأن الإحصائيات التي أوردها يثبت أن الأقباط قد نالوا من الوظائف الحكومية أكثر مما يحق لهم.
    وتفصيل الأمر أن صاحب (المؤيد) حاول بالاحصائات أن يثبت أن الأقباط نالوا من وظائف الحكومة أكثر مما يحق لهم. فردت (الوطن) بأن "المتأمل في نفس الأرقام الرسمية التي أوردها الرجل تعد شهادة عليه ودليلاً على صدق الحقيقة التي ذكرتها الجرائد القبطية ألا وهي أن الوظائف الحقيرة الصغرى تترك للأقباط, وأما الوظائف الإدارية العالية فهم محرومون منها".

    أي أن أرقام المؤيد نفسه صريحة في الدلالة على تخصيص المسلمين بالمناصب العالية والرواتب الكبيرة, على حين أن الأقباط لا ينالون ألا الراتب الصغيرة والوظيفة الحقيرة. هذا غير أن الأقباط لم يطلبوا وظائف معينة ولا عدداً منها معلوماً, بل هم يريدون أبطال التمييز بعل الدين".
    ويقرر أحد كبار العسكريين الإنجليزي وهو ب.ج.الجود ليس من المحكمة ولا من العدل في شيء تعيين مدير قبطي على الأهالي المسلمين خصوصاً أنه لا يوجد لدى الأقباط في الغالب القدرة على إنجاز الواجبات التنفيذية.. لأن المواصفات الضرورية للحصول على الاتفاق العام بشأن حاكم إداري غير متوفرة لديهم. "ويعترف بأن هذا هو رأي السر الدون جورست "وآراء جميع الإنجليز الذين يودون الخير لمصر" وتفسر (الوطن) تغير موقف الأقباط من السياسة الإنجليزية بأنه عندما دخلت انجلترا هذا القطر كان الأجانب وفي مقدمتهم فرنسا ورعاياها والدولة العلية ورعاياها هم أعداؤها وكان الجرائد الفرنسية والعثمانية تطالب انجلترا بالخروج من وادي النيل وطال عهد الاحتلال قليلاً, فهب المسلمون جميعاً في مصر يطلبون الخروج العاجل وكانوا أعداء "انجلترا" بحكم الميل الفطري والوطني والديني وما زالوا على هذا العداء لا يحولهم عنه أي رياء وتفريق بين العناصر وسياسة عرجاء "وكان الأقباط مع إخوانهم المسلمين في أول الأمر" ولكن عوامل السياسة الحالية فرقت بينهم وأوجدت الضغائن فاضطر الأقباط أن يخالفوا الفريق الأكبر في طلب الخروج والاستقلال وأن يقولوا ببقاء الحالة الحاضرة حرصاً على مصالحهم. وهكذا أبقى الأقباط أعواماً متتالية نصراء انكلترا واحتلالها يصدقون لها الولاء ولم يكن لإنكلترا حزب في هذا القطر غير الأقباط. فما الذي جرى الآن؟ وتجيب بأن "السياسة الحالية صارت على نهج يراد منه أن يكون كل مصري وكل نزيل في مصر عدواً لتلك السياسة وقد فاز القوم (الإنجليز) بما يريدون وأصبح كل من في مصر كارهاً لسياستها والاحتلال".

    ويذكر الصحفي القبطي (قرياقر ميخائيل) "أن أول خطأ ارتكبته السياسة الإنكليزية في مصر هو تحويلها على خطة التميز والتخصيص بدل خطة الإنصاف العام ومنع كل محاباة لأنها جعلت تميز المسلمين على غيرهم ولدت بفصلها هذا روح التعصب.
    وأن الأقباط كانوا في كل أدوار الاضطهاد الإسلامي السابق يديرون حركة الحكومة المصرية فلم يحرموا المناصب العالية إلا على عهد الاحتلال الإنكليزي.
    كما نشرت (الجازيت) كتاباً مفتوحاً من توفيق دوس بأسيوط إلى السر الدن غورست يقول فيه: "لقد ذكرتم أن الأقباط عائشون بعضهم مع بعض بصفاء وقولكم صحيح, فإن الأقباط لا يشتكون شكوى عامة من الأمة الإسلامية برمتها ولا هم يشتكون أيضاً مثل هذه الشكوى من الأمة الإنجليزية جمعاء, بل أنهم يشتكون من إغفال مبدأ المساواة في البلاد فإذا هم تظلموا من حرمانهم بعض الوظائف الإدارية, فليست الشكوى صادرة بسبب أهمية هذه الوظائف بل بسبب مبدأ التمييز القاضي بحرمان الأقباط تلك الوظائف لأنهم يدينون بدين المسيح.

    صـ9ـ
    وقام الأقباط بإرسال برقيات إلى جرائد التيمس والدايلي تلغراف والدايلي نيوز الستاندرد, وإلى المستر سكوت رئيس الوزارة الإنجليزية والسرادواود جراي وزير الخارجية وإلى المستر بلفور رئيس حب المحافظين والمستر جون رد موند رئيس الحزب الإيرلندي وإلى اللورد كرومر ورئيس أساقفة الكنيسة الإنجليزية رداً على تصريحا السير الدن جورست التي أذاعها في انجلترا بلسان روتر والتي تشبه ما ورد بالتيمس في 11 يناير من أن الأقباط لا يصلحون للوظائف الإدارية, وكان ثمن هذه البرقيات: "أن المسيحين يستغيثون بإنجلترا من سياسة أولى الأمر الإنجليز هنا الذين يحاربون مطالبهم العادلة ويصغرون ظلاماتهم فالمسيحيون يطلبون المساواة التي حرمت عليهم تحت سيطرة انجلترا. وأما تصريحات السر الدن غورست الأخيرة التي أزدرى بها المطالب القبطية فليست عدلاً ولا صواباً. نرجوكم أن تساعدوا الأقلية المسيحية التي هاجت واضطربت كثيراً من السياسة الحالية.
    كما ألف قرياقص ميخائيل كتاباً بالإنجليزية عن "الأقباط والمسلمون تحت الحكم البريطاني", صور فيه تاريخ الأقباط منذ 1882, فقال: "أن الأقباط وهبوا بهذه الأمة المسيحية (انجلترا) وتطلعوا إلى عهد جديد من الحرية والرفاهية "ولكن السلة الجديدة" "تجاهلت وجودهم" بل وعاملتهم معاملة سيئة مقصودة وظلمتهم في وظائف الدولة بدلاً من أن تساعدهم وتعطف عليهم. ثم تحدث عن حركة الحزب الوطني التي سيقاسي منها الأقباط الكثير لو أنها نجحت في دعوتها التركية. وفي عرضه لمشكلة مطالب القبط ذكر انها مشكلة حديثة في مصر ترجع إلى بداية الاحتلال البريطاني الذي فإن أحقية كون بريطانيا أمة مسيحية قد حدا بالأقباط أن "يتوقعوا معاملة متمايزة على يدها" مع أن كل ما يطلبه الأقباط ه "العدالة والمساواة مع بقية المصريين باسترجاعهم الوظائف الإدارية التي حرموا منها على أساس عدم كفائتهم منذ 1882 وخاصة الوظائف العليا لأن القبطي في نظر الإنجليز مهما كان كفؤاً بارعاً في بعض دوائر الحكومة إلا أن حفظ القانون والنظام وقابلة كل ما يطرأ من الطوارئ بالسرعة والنشط مع الشجاعة والهيبة وطلعة الأهالي له كل هذه الصفات ؟؟ القبطي في الغالب. لذلك كله تقدم الأقباط ليضعوا الأمر أمام السلطات المسئولة لكنهم وجدوا صعوبات متزايدة وغير متوقعة. فلجأوا إلى فكرة عقد مؤتمرهم ويتناول الكتاب تفاصيل المؤتمر وموقف الصحافة الإنجليزية منه والمؤتمر (الإسلامي) وتقرير السير الدن جورست الذي نشر في 25 مارس سنة 1911 مع التعليقات عليه كما يتحدث عن عرض المشكل في مجلس العموم البريطاني وتعيين لورد كتشنر بعد وفاة السير الدن جروست فجأة في لندن.
    أصبح الوفاق بين المسلمين والأقباط مستحيلاً. وزاد الأمر سوءاً ما كانت تقوم به صحف كل فريق من تهويل للحوادث وتضخيم النزاع ينشر كثير من التعليقات الهوجاء على وقائع أغلبها مكذوب. وضاعت مساعي العقلاء للتوفيق أمثال إسماعيل أباظة وأوصف غالي, في الحد من عنف الثائرين وكبح جماحهم.
    موقف السياسة البريطانية من فكرة عقد المؤتمر القبطي:
    وبالنسبة لموقف السر الدون جروست فيظهر أنه غضب على الذين سعوا في عقد هذا المؤتمر لأنهم غضبوا من سلطته ورفعوا شكواهم إلى رجال الحكومة الإنجليزية مباشرة فطفق يشاكسهم انتقاماً منهم أولاً وإرضاء للأغلبية ثانياً. وأبدى اعتراضه على الدعوة للمؤتمر كما أظهر شيئاً من الجفاء تجاه الداعيين له على أساس أنه يرى "أن شواهد الحال لا تعطي الأقباط حقاً في شكاواهم" بدليل أن الاحصائيات تدل على أن "الأقباط قد نالوا من وظائف الحكومة أكثر بكثير مما يحق لهم على نسبة عددهم "كما أن الأقباط يزدادون ثروة وأطياناً بالنسبة إلى عددهم والدائنون الصغار منهم الذين يقرضون الأموال لأهالي البلاد يكتسبون كثيراً من الفلاحين الذين لا يعرفون الاقتصاد".
    ويقرر سعد زغلول أن جورست كان متغيظاً جداً من المؤتمر وهو موقف يتفق مع رأيه السابق ذكره في الأقباط وقد امتدت معارضة جورست للمؤتمر الذي اعتزم الأقباط عل إقامته في أسيوط متعللاً بأن حالة التوتر التي أعقبت اغتيال بطرس وإعدام الورداني يمكن أن تتحول إلى صدام خطير يهدد الأمن ويثير مشاعر المسلمين بالإضافة إلى أن جورست لم يوافق على عقد المؤتمر القبطي لأنه كان غاضباً من الخطة التي لجأ إليها الأقباط للضغط على الاحتلال للحصول على مكاسب أكبر من المقرر لهم. فقال في تقريره من عام 1910 "بأن المحرضين من الأقباط غيروا من أول هذه السنة 1911 خطتهم في النزال والنضال فتظاهروا بأنهم أصبحوا على وئام واتفاق تام هم وخصومهم في الدين وأداروا رحى الحرب الصحافية على الوزارة المصرية الحالية وعلى الاحتلال بحجة أنهما المسئولان عن ؟؟؟ الذي يزعمونه واقعاً عليهم.
    واتهمت (المؤيد) صراحة المسيحيين بأنهم يحاولون (أن يجلبوا عطف النزلاء ويحملوا قناصل الدول على التداخل في الأمر وقد أعدوا لهذه القرية أداة حقيرة فاشتروا ذمم بمعنى كتاب ؟؟ في بعض الجرائد الحقيرة. وحذرت نفس الجريدة من العواقب الوخيمة لمطالب الأقباط والتي قد تصل إلى حد "تصدي الدولة الصليبية للمداخلة في الأمر باسم الخلافة والسيادة" وإلى "أن المسلمين في جميع الأقطار يعدون مصر باب الحرمين الشريفين ومعهد علوم الدين فإذا علموا أن حكومتها خرجت من كونها إسلامية فإنهم يتألمون بالطبع وتتفرج مسافة الخلف بينهم وبين النصارى وإلى "سخط المسلمين في الهند" وإلى محاولة المسلمين "أن يعود الأمر إلى نصابه بقسوة الاتحاد" أي "استعدادهم الآتي واعتمادهم على أنفسهم "وإلى أنه قد يترتب على رجحن كفة القبط على المسلمين رجحاناً ظاهراً مع تعصب بعضهم للبعض إلى حدوث "فتن كثيرة".

    ولنفس السبب السابق ذكره (هو أن أسيوط مركز الإرساليات والمدارس البروتستانتية) أظهر البطريرك كيرلس الخامس شيئاً من النفور من المؤتمر. وأظهر تخوفاً وحذراً رغم تأييد مطران أسيوط لانعقاد المؤتمر واشتراكه في الدعوة لهم وافتتاح إياه وحضور جلساته.

    وإلى جانب البطريرك, وقف كثير من القبط ضد فكرة انعقاد المؤتمر. فكتب واصف بطرس غالي لبنوه بالجهود التي تبذل لدعم الوفاق بين عنصري الأمة. وقال أن هذا الوفاق لا يحتاج إلى لجان أو مؤتمرات, وأنه هو شخصياً قد تناسى الحملات التي وجهها بعض الكتاب ضد والده ثم قال "فهلموا إذن يا معشر المسلمين والأقباط, لنضم بعضاً إلى بعض كالبنيان المرصوص حتى لا يميز في المستقبل بين مصري ومصري, والعمل جميعاً باخلاص لما فيه خير البلاد. (2) كما عارض المؤتمر وقاطعه وبما واصف. أما بعض العناصر الوطنية من الأقباط من أمثال مرقص حنا ومرقص فهمي وتوفيق حبيب وغيرهم ممن اشتركوا في المؤتمر فإن ذلك تم تحت ضغط التيار العام للأحداث.

    صـ 26ـ
    وأجمل أحد الأقباط هذا الطلب بأنه "طلب تافه يدل على سخافة وضعف الإدراك لأنه فضلا عن كون كبار الموظفين من الإنجليز وهم من المسيحيين لم يخطر ببالهم أن يطلبوا هذا الطلب, فإننا نرى أن المسيحيين في دوائر الحكومة أسعد حظاً من إخوانهم المسلمين لأنهم فضلاً عن كونهم يتمتعون براحة يوم الجمعة, فإنهم لا يذهبون إلى دواوينهم في أيام الآحاد إلا قبل الظهر. فكان الواجب عليهم أن يكتفوا بهذه النعمة ؟؟ الحكومة على هذا التسامح الكبير.

    وكأن رد الصحف الإسلامية على هذا الطلب أنه "لم يحدث أن مصلحة من المصالح ملئت بالمسلمين لأن رؤسائهم منهم كما لم يحدث أن طرد الموظفون الأقباط في مصلحة أو قلم يرأسه مسلم واضطهدوا لأنهم أقباط. ولكن العكس صحيح فكثيراً ما نسمع شكاوى المستخدمين المسلمين من رؤسائهم الأقباط حتى أن المسلمين في مصلحة البوسطة والسكة الحديد ووزارة المالية أصبح لا يزيد عددهم عما بين العشرة والعشرين في المئة بل أنه قبل خمس وعشرين سنة لم يكن يوجد واحد في المئة في أرباب الوظائف الكتابيين في المديريات من المسلمين والباقون كلهم كانوا من الأقباط لأن الباشكاتب ورئيس التحريرات ورئيس قلم الإيرادات وغيرهم من رؤساء المكاتب في المديريات والمحافظات كانوا من الأقباط ولم يكن ثمة شهادات ولا شروط مرعية للاستخدام التي روعيت فيها أماكن الكفاءة للموظف, دخل المسلمون شيئاً فشيئاً في وظائف الكتاب بالمديريات بين الأقباط ولكن لأن رؤساء الكتاب لا يزالون من الأقباط بقيت أكثرية العطال فيها إلى حد ستين وسبعين في المئة منهم دون المسلمون مجردون من الكفاءة لوظائف كتاب المديريات حتى تبقى الأغلبية للأقباط فيها وهم من مجموع الأمة ستة في المئة فقط.
    إذا كان المتعلمون في مصر بين الأقباط يقدرون بنحو ثلث المتعلمين من كافة المصريين, فعلى نفقة من تعلم هذا العدد العظيم من الأقباط وليست نسبتهم من مجموع الأمة أكثر من ستة في المائة؟ أو ليس الجواب على هذا السؤال أن بقية نسبة المتعلمين من الأقباط في مدارس الحكومة إنما يتعلمون على نفقة المسلمين الذي يحق لهم بعد الآن أن لا يقبلوا دخول تلامذة العناصر الآخرى في مدارس الحكومة إلا على نسبة عدد كل فريق من مجموع الأمة.
    يلاحظ أن باستثناء الطلب الخاص باحترام يوم الراحة الديني الذي تقضي على الأقباط عقائدهم الدينية باحترامه كان واضحاً الحرص على الالتزام بقاعدة المواطنيه وبالمنهج العلماني والالتزام بالمسائل الاقتصادية دون المسائل السياسية توثيقها للرباط الوطني. هذا المنطق العلماني الوفي لم يكن أساسه إيمان مجرد بقيم مثالية فقط, ولكن وجد أساسه أيضاً في المصلحة المشتركة.
    وإذا كان الدوائر الاستعمارية الإنجليزية من إعلامية إلى حكومية إلى حزبية قد أيدت عقد المؤتمر وذهبت إلى عكس ما ذهب إليه جورست, فإنها بذلك قد أرادت أن تستفيد من انقسام الذي يحدثه المؤتمر لتصفية الحركة الوطنية, التي أصبحت تسترح تحت ضغط الإرهاب وسياسة الوقيعة بين العنصرين, وأنه إذا كان ثمة ما يخشى من استثارة مشاعر المسلمين إلى الدرجة التي تهدد الأمن العام, فإن من الممكن موازنة المؤتمر القبطي بمؤتمر آخر للمسلمين, وبهذا يرضي الاحتلال المسلمين ويكسب ثقتهم بهذه المعارضة التي بدت من جورست للأقباط, ثم من التأييد الذي حظى به المسلمين لعقد مؤتمرهم. وبهذه الوسيلة يكسب الاستعمار الطرفين ويخسر الطرفين بعضهما.
    وعلى ذلك صدرت تعليمات جورست بعقد المؤتمر الإسلامي بعد شهرين بمصر الجديدة سمي "المؤتمر المصري" وكانت الصحف المحلية قد نشرت تمثل أن يغادر أعضاؤها.
    اختلفت الآراء حول الجهة التي شجعت عقد هذا المؤتمر فبينما يرى جاك تاجران عقد هذا المؤتمر كان بتشجيع من جورست, يقرر قليني فهمي باشا أن محمد سعيد باشا رئيس مجلس النظار هو الذي حسن لجورست عقد هذا المؤتمر.

    وكان الحزب الوطني يرى أن يد السيد جورست لم تكن بعيد عن الدعوة للمؤتمرين وذلك على ذلك بأن الوزراء كانت تؤيد عقد المؤتمر المصري رداً على المؤتمر القبلي, وهي التي فكرت في إسناد رئاسته إلى مصطفى رياض باشا ولو لم يكن الاحتلال مغتطباً بهذه الحركة أو راضياً عنها لما فكرت الوزارة في تأييدها. إلى جانب دليل آخر هو أن جميع مواضيع المؤتمرين قد خلت من أي معارضة للاحتلال أو انتقاد لسياسته أو مغالبة له بتحقيق وعوده في حين أن طابع المؤتمرات الوطنية في ذلك العهد أنما هو توحيد الأمة لمقاومة الاحتلال والجهاد في سبيل الاستقلال ومما يستوقف النظر أن خطباء المؤتمرين لم يقولو كلمة ضد الاحتلال وفي ذلك كتب محمد فريد في مذكراته.
    وكمثال لدعاوى العناصر الداعية إلى الشقاق: ردود بعض الصحف الإسلامية على شكوي الأقباط من حرمانهم من الوظائف الإدارية بصفة عامة والعليا منها بصفة خاصة بقولها: إذا كان الأقباط يريدون إخراج مركزهم وتعريض أحد كبار رجالهم ونوابهم لخطر المناصب الإدارية كما عرضوا حياة أكبر.
    كبير منهم قبل ذلك لهذا الخطر, فليصروا على هذا المطلب ولا معنى للادعاء بحرمان الأقباط من حقوقهم في الوظائف الكبيرة, لأن بينهم الآن عدد كبير من مستشاري الاستئناف ووكلاء النظارات والمديرين والمراقبين والمفتشين في النظارات الكبرى وهي كلها وظائف أسمى من وظيفة المدير التي تكشفها لعقبات والعراقيل خصوصاً وأن "المديرين على قلتهم من المسلمين كثيراً ما يكونون من غير الأكاء المختبرين وينقلون من مديرية إلى أخرى ورؤساء الكتاب وأكثر العاملين الذين تحت أيديهم من القبط ثابتون في أعمالهم عارفون بقوادمها وخوافيها متكافلون في الاستئثار بها ولذلك يكون أكثر المديرين آلات في أيديهم. وهم باتجاههم الجديد لم يعودوا مصريين فكانت الوظائف التي يتولونها وظائف مسندة إلى مصريين ولكنهم أصبحوا "أقباط قبل كل شيء" أقباط في مؤتمرتهم, أقباط في وظائفهم, أقباط في غدوهم ورواحهم يجب أن نحاسبهم على وظائف حكومتنا بنسبة عددنا إلى عددهم. يجب أن يكون حظهم منا كحظ طائفة بالنسبة إلى حتى أمة. "واتهمت هذه العناصر الأقباط بأنها "الأقلية التي أبطرها الجشع فطلبت المزيد".
    ووصل الأمر بجريدة (مصر) أن طلبت من الحكومة الإنجليزية أن تضع الحكومة المصرية تحت التحقيق وأن توقفها موقف المتهم بتهمتين: الأولى تهمة مقاومتها لمؤتمر الأقباط والثانية تهمة إيعازها بعد مؤتمر إسلامي. فردت عليها (اللواء) رداً عنيفاً قائلة: "لم تخجل تلك الجريدة من التداول مع حكومتها وحكومة 12 مليون نفس هذا التطاول وقد طاوعتها ذمتها على طلب إذلال حكومتها لحكومة أجنبية. وفعل كهذا الفعل لا يصدر إلا عن المجانين أو عن الذي غرضهم توسيع الخرق على الراقم لتحدث تنة في البلد لظنهم أنهم يستفيدون في خاتمة الفتنة وأن خسروا في أولها.
    وقد مرت أيام والصحف القبطية تنشر ضرورياً من الهوس كهذا الضرب والمؤتمر القبطي منعقد يقرأها ويسمعها جميع الناس ويقولون أنها أنما تنطق بلسانه ومع ذلك لم يذكر المؤتمر في احتجابه وبلاغه الأخير الذي نشره احتجاجاً على الصحف كلمة في شأن ذلك الجنون الذي تنشره الصحف القبطية استنجاداً بالاحلال وحكومته بل قد وجه كل صواعق غضبه إلى الصحف غير القبطية.. وبعد كل ذلك يجترى على أن يقول في بلاغه أن الصحف غير القبطية هي المسئولة عن سياسة التفريق والشقاق.
    واتهمت (المؤيد) الأٌقباط بالانتماء في أحضان الإنجليز قائلة: لقد كان الأقباط لا يفكرون في مثل هذه المزاعم التي يزعمونها الآن ولا يتجاسرون على أن يعتبروا لهام عاصمة في البلاد تقبل عاصمة الحكومة الإسلامية. فلعلهم يعتزون بالاحتلال الإنجليزي ظنا منهم أن هذا الاحتلال يغير من صيغة الحكومة الإسلامية في مصر شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى وتحل محلها حكومة مسيحية وأنه إذاء عارضهم مثل السر الدون غرست في مصر وجدوا أمثاله كثيرين أنصاراً لهم في لوندره أو لعلهم ظنوا أن ؟؟؟ المستر روزفلت في العام الماضي على المسلمين في مصر كافية لمحو أثر سلطتهم الشعرية في البلاد وأن وراؤهم جميع المرسلين الأمريكان الموجودين في القطر المصري ولاسيما القاطنين في أسيوط يتضدونهم في كل ما يطلبون.
    وحتى أحمد لطفي السيد, فقد اشترك في هذه المظاهرة بقوله: يظهر أن الأقباط قد اطمأنت قلوبهم على أن مصر ليست للمصريين واقتنعوا بأن هذا الاحتلال باق إلى ما شاء الله فأرادوا المبالغة في التقريب من الإنجليز وتقديم الوطنية قرباناً في سبيل راحتهم أو سعادتهم السائفية. ورأوا أن التشبث بطلب الدستور بوسائل الرقي المصري العامخ بطيء النتيجة قليل الفائدة للأقلية, فاعتمدوا على الدخول تحت جناح السلطة المحتلة ومعاونتها فيي تفريق كلمة أمة ليأخذوا من وراء ذلك الوظائف والسيادة الممكنة هنيئا مريئا. ولم يروا أنفسهم غضاضة من مثل هذه المقاصة لأنها كانت دائماً شأن الأقليات في الأمم المغلوبة. حسبوا ذلك وحسبوا أن تصاغ هذه المقاصة علناً في مصر بمطالب لا وزن لها ولكن تصاغ في انجلترا بجميع الصيغ التي تجعل الأقباط شعب الله شعب الإنجليز في أن واحد حسبوا ذلك وحسبوا أن السير الدون جورست يقاومهم في مطالبهم فأعدوا له من حسابه ومن الجرائد عدة.

    وقرر محمد رشيد رضا (صاحب جريدة المنار) في سلسلة مقالات تحت عنوان (المسلمون والقيد) ان القيد يعملون كل شيء للقبط ويعبرون عن أنفسهم بالأمة القبطية ويسمون البلاد المصرية بلادهم وبلاد أبائهم وأجدادهم, ولهم مجلس على وجمعيات وأندية وجرائد ومجلات ؟ ؟ , ويطبقون ما يطلبون من المتاعب والأعمال باسم القبط على أنها حق للقبط من حيث أنهم قبط ويتعاونون في جميع مصالح الحكومة فيفضل القبطي أخاه القبطي على غيره ولا تأخذه في ذلك لومة لائم. ثم أنهم يتهمون المسلمين بالتعصب الذميم والتحامل وهضم حقوقهم فمرحى للقبط المتعاونين ويا حسرة على المسلمين المتخاذلين. استمرت أمثال هذه المقالات على هذا النحو حتى عقدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصري أولى جلساتها بمنزل على شعراوي وقرت حصر مقاصد المؤتمر في النظر في الشئون العامة والاقتصادية والأدبية ومناقشة مطالب القبط وتمحيصها. وفي جلستها الثانية, أصدرت قراراً جاء به "البحث في كلفة الوسائل المؤيدة لحسن الوفاق بين جميع العناصر المصرية وتحسين حال الأمة المصرية, ولا يحيز للمؤتمر الاشتغال بالمسائل السياسية "وشكلت في الأقاليم لجان لتختار مندوبي كل إقليم في المؤتمر في هذا النشاط في بعض المناطق حركة جماهيرية بعيدة عن الخلاف الطائفي, تتعلق بالمطالب الاقتصادية للجماهير من خلال المفاهيم الإسلامية, ومن ذلك مطالبة بعض اللجان أن يناقش المؤتمر مسألة منع الربا, وأحكام نزع الملكية, والديون التي ينؤ بها الكثير من عامة الشعب, وترك بدع المآتم والمقابر وما يصحبها من مظاهر متخلفة
    الذين لا يحلولهم الصيد إلا في الماء العكر ويدبرون الاضطراب والقلقلة. وقالت أن الأٌقباط عادوا يشاركون المسلمين في كل نواحي الحياة. ودللت على ذلك بأن كشف المكتتبين لتركيا ضم اسماء إعلان الأقباط وإخوانهم المسلمين. وقالت "أنه من الواضع أن غالبية القبط قد عادوا اليوم إلى عواطفهم الجديرة بهم وبوطنيتهم وأن محاولات الفرقة التي جاهر بها المؤتمرون في أسيوط فشلت فشلاً ذريعاً.
    وعلقت مجلة (الهلال) على المؤتمرين بأنه مع ما يشوبهما من الصبغة الدينية أن ظهورهما من أقوى لأدلة على الارتقاء السياسي في وادي النيل.
    برئت قلوبهم من حبه والوفاء له, كما استطاعوا أن يقييموا الدليل على أن ما يطلبهم القبط تحت ضغط المضللين المضرورين ممن تزعموا حركتهم يتعارض مع مصلحتهم هم أنفسهم ويناقشها أشد المناقشة.
    ولكن تقرير مستشار الداخلية إلى شيتهام يد حضر هذا القول على أساس أن سياسة الاحتلال تجاه المؤتمر القبطي كانت من ضمن العوامل التي أدت إلى اجتذاب شعير الجماهير في الأقاليم فيقول أنه يمكنه أن يقرران أن موقف الحكومة من المسألة القبطية قد لقى شعبية كبيرة.
    لكن إذا كانت مصر قد كسبت من هذه المحنة ميلاد وطنية جديدة فقد خسرت أكثر ما كسبت إذا أصبحت المسائل السياسية العليا في المرتبة الثانية بالنسبة للخلاف المذهبي و خرج الاحتلال من ذلك سليماً فلم تقحمه الصحف في الموضوع لا الإسلامية ولا القبطية. وانتهى المؤتمران إلى قرارات اتخذت لم يشر واضعوها إلى احتجاج على الاحتلال أو مطالبة بالدستور. وكانت هناك صلات سرية قائمة بين رياض باشا وزير الداخلية لمنع مناقشة أي مسائل سياسية بالمؤتمر.
    ومن الناحية الفعلية, فإنه بدلاً من أن ينجح الأقباط فيما كانوا يأملون من تعبئة عطف الإنجليز على قضيتهم من خلال مؤتمرهم, أعطوا للمسلمين الفرصة لتأكيد قوتهم. وفقد عندما يرتقي المصريون إل الحد الذي يمكن معه النظر إلى أنفسهم كمواطنين, لا كمسلمين أو أقباط بل كمصريين في الأوقات العادية تماماً كما في أوقات الأزمات السياسية وعندما يدركون أنه من الأفضل أن تقوم الترقية على أساس الجدارة والكفاءة وليس على أساس المعتقدات الدينية, فأنهم يستغلبون على إحدى العقبات الرئيسية التي تقف في طريق تقدمهم نحو الحضارة.

    ومن الناحية القومية فإن المؤتمر رغم توكيده على الوحدة الوطنية وتجاهل الأساس الطائفي, إلا أن توكيد هذا المعنى يعتبر تجاهلاً لعروبة مصر وتعزيز ؟ ؟ بالإضافة إلى أنه أصبح يراعي في كل حركة تقوم في مصر مركز الأقباط وتمثيلهم فيها وتحرص على ضمهم إليها على أساس "التقدمية" أو "المدنية" وكأنما "القومية" و "الوطنية" في تكرير الطائفية لا في أضعاف الفوارق, حتى لقد اعتبر توفيق الوفد في ثورة 1919 في تمثيله لعنصري الأمة في صفوفه علامة من علامات النجاح.
    كما أشار تقرير المستشار إلى زيادة عزلة الحزب الوطني, وأن نفوذه خارج القاهرة والإسكندرية قد انته أمره "وحتى داخل هاتين المدينتين فقد الحزب كثير من نفوذه" وذلك نتيجة الضغط الإداري المتمثل في عمليات نقل الموظفين من وظائفهم أو غيرهم ممن اتخذت مواقف منهم" كما.
    موقف الأقباط من الإخوان المسلمين
    تنقل الباحثة عن "زغيب ميخائيل" صحب كتاب "فرق تسد" أفكار الإخوان والشرط السادس من شباب محمد للعضو أن يقاطع كلية ما هو غير إسلامي من مأكل ومشرب وملبس ولا تعامل إلا مسلماً وفي مذكرة وزير الداخلية لحل الجماعة وحيثيات حكم المحكمة العسكرية في قضية قتل النقراشي "دعا كاتب الإخوان إلى التحرر من العدو كهدف للكتائب معتبراً ذلك جهاداً في سبيل الله ويقصد بالعدو جميع الأجانب يهوداً كانوا أو نصارى وفي الحيثيات حرق كنيسة الزقازيق في 27 مارس 1947 وفي الشهر التالي كنيسة في الأسكندرية ويرى "زغيب انه توالت اعتداءات بعض أفراد الجماعة على جمعيات الأقباط وكنائسهم في بلاد عديدة من القطر المصري خصوصاً في جرجا ونشرت الشكاوى في جريدة مصر وبرأي "زغيب" هذا هو ما ادى لحل الجماعة.
    وتنقل الباحثة عن "واكين" أن موقف الإخوان المسلمين من الأقباط أنه لم يكن هدفهم هو سجن أو إبادة غير المسلمين غنما كان إخضاعهم بحيث يصبح الأقباط والأجانب في مصر في وضع ثانويعلى أساس الإسلام أو الجزية أو السيف.
    وعن "زغيب" رأي الأقباط أن الدعوة لإقامة دولة دينية تتفق مع سياسة الإنجليز في شئ واحد خطير هو تفرقة ابناء الوطن الواحد وانقسامهم وقيام بعضهم على بعض ومحاربتهم بعضهم بعضاً لذلك رحبوا بفتح فروع لهم.
    وعن "واكين" أنه إذا كان دافع عبدالناصر لاضطهاد الجماعة هو أنها هددت نظام حكمه فإنه بهذا العمل قد قام بتأمين الأقلية القبطية من وجهة نظرها وظل بعض الأقباط مقتنعين بأن المسلمين لن يبلوا على الإطلاق أن يكون غير المسلمين شركاء متساوين مساواة كاملة معهم وأن المسلمين عندما يتحدثون عن العرب والوحدة العربية والقومية والبعث العربي وما غلى ذلك من شعارات فإنهم يتوجهون إلى إخوانهم المسلمين المؤمنين بالدين الإسلامي فقط ولعله مما زاد من مخاوف الأقباط هو عودة التنظيم السابق للإخوان.
    كتب "أخنوخ فانوس" في جريدة "مصر" 6،7/5/1906 تحت عنوان "أي الجماعات السياسية أولى بالسياسة الوطنية" بدأها بالتعريف اللغوي لكلمة جامعة من حيث أنها" وجهة تربط أفرادها بعضها ببعض حتى تصير الأفراد الكثية واحدة في وجهتها وموضوعها بادئاً من الأخص إلى الأعم واورد أنواعاً مختلفة من الجامعات موضحاً الحقيقة الوطنية بقوله "القوم جاءت منها قومية هو الشعب على اختلاف أنواعه ونحله المتألف منها أهل الوطن والمكونة منهم الجامعة الوطنية فهل يصبح بعد هذا التحيدي أن يكون لغير الجامعة الوطنية شأن في تولي السياسة الوطنية للبلاد؟" وينفي أية علاقة بين الدين والوطنية قائلاً "إن التعددية الدينية نتج عنها أن صار البلد أو إن شئت فقل الوطن الواحد جامعاً لجامعات دينية مختلفة متضادة لا ترجع في نوعها إلى جامعة واحدة " ويرى أن"اعتماد الصلات الدينية يمكن أن تدمر الحياة الوطنية ... فالأحزاب السياسية ترجع في نوعها إلى جامعة واحدة وهي تعمل باسم جامعتها العامة التي تجمع جميع الأحزاب على اختلال أسمائها والحال في الجامعات الدينية غير ذلك"
    نشأت جماعة الأمة القبطية كرد فعل لامتداد النزعة الإسلامية الأولى في صورة تنظيم الإخوان السلمين فالصورة الجديدة للدعوة إلى إحياء الهوية القبطية تتجلى واضحة في الجماعة القبطية التي أسسها محام شاب عمره عشرين سنة اسمه إبراهيم فهمي هلال في 11 /9/1952 وكان مركزها القاهرة ولكن سرعان ما اانتشرت في كل المديريات والمراكز والقرى حتى بلغ عدد أعضائها 92 ألف عضو أغلبهم من الشباب واستمر نشاط الجمعية سنة ونصف من 11 سبتمبر 1952 إلى 24 ابريل 1954 وكان هدف الجماعة هو المطالبة بتطوين دولة قبطية في مصر ولهم علم عبارة عن الصليب في شكل أونخ أي مفتاح الحياة الفرعوني والإنجيل رمز الحكم والسلام وتحته عبارة: وسيأتي اليوم الذي تدين فيه جميع الممالكباسم الرب ولهم شعار يهتفون به زيعملون له هو "المجد لله ومبارك شعبي مصر " الله مليكنا ومصر بلادنا والإنجيل شريعتنا والصليب علامتنا والشهادة في سبيل المسيح غاية الرجاء" وأعضاء الأمة القبطية يتكلمون اللغة القبطية ويطبقون على أنفسهم أحكانم الإنجيل ويعرفون جيداً تارخ الكنيسة ولهم ملابس خاصة يلبوسونها في المناسبات كما في الاستعرضات وكان لجماعة الأمة القبطية علاقات خاصة وطيبة بأثيوبيا فكان بها أعضاء أثيوبيين من الذين يتعلمون في مصر.
    برنامج جماعة الأمة القبطية:
    تتمثل أغراض الجماعة فيما يلي:
    - المطالبة بحق الأمة القبطية في اعتبارها امة حقاً كاملاً غير منقوص وذلك بكل الوسائل القانونية والمشروعة.
    - تطبيق حكم الإنجيل على أهل الإنجيل.
    - تكلم الأمة القبطية باللغة القبطية.
    أما وسائل الجماعة في سبيل تحقيق هذه الأغراض قهي:
    التمسك بالكتاب المقدس وتنفيذ جميع أحكامه عن طريق دراسته دراسة علمية حديثة وأن يخرج منه العلم بجميع فروعه.
    - دراسة اللغة القبطية بطريقة عملية وعلمية حديثة وإحلالها محل اللغات الأخرى والتسك بعادات وتقاليد الأمة القبطية والتعامل على أساس التقويم القبطي
    - إصدار جرائد يومية وأسبوعية وشهرية تكون المنبر القوي للدفاع عن الأمة القبطية وبهذا يوجد الرأي العام القبطي.
    - مطالية الحكومة رسمياً بإنشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية
    - الاهتمام بالدعاية محلياً ودولياً للأمة القبطية والعمل على احترام الكرسي البابوي وتكريمه
    - الاهتمام بالناحية الرياضية بمختلف وجوهها
    - إنشاء دار كبرى تسمى المركز الرئيسي لجماعة الأمة القبطية في وسط القاهرة بجوار الأحياء القبطية الفجالة شبرا القللي البطريركية تجمع فيه مؤسسات ومشروعات الجماعة
    - وقد أعلنت الجماعة في أول توت 1669 للشهداء الموافق 11 سبتمبر 1952 وتم تسجيل الجمعية بوزارة الداخلية تحت رقم 31/أ /21 في 22/يناير 1953 بعد أن تقدمت بإخطار في 14 ديسمبر 1952 وفقاً لأحكام القانون رقم 66 لسنة 1951 على أساس أنها جمعية دينية بالمعنى الوارد بالمادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1945 وأعلنت أن غرضها ديني اجتماعي محض وتسعى لرفاهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وليس لها الاشتغال بالسياسة ويتضح أن الجماعة تكونت للوقوف في وجه جماعة الإخوان السلمين.
    وكما حاول الإخوان إزاحة عبدالناصر بعد أن قام بحل جماعتهم تحركت جماعة الأمة القبطية ضد البطريك الأنبا يوساب بعهد حلها رسمياص في 23/3/1954 وأجبرته على التنازل عن منصبه الديني بالتهديد (اعتزل وإلا تكون نهايتك كنهاية فاروق)
    كانت شعبية هذه الجماعة محصورة أساساً بين الشباب القبطي حيث جذبت الشباب لأنهم ليس لديهم الكثير ليفقدوه ولنهم يائسون وعاجزون مما كان يدفعهم غلى معاناة الكثير في سبيل الحصول على وظائف.
    قام خلاف بين جماعة الأمة القبطية والبابا يوساب الثاني لوقوف البابا مع الحكومة ضد أهداف الجماعة التي ترمي أول ما ترمي إلى إنشاء أمة مستقلة من الأقباط لها لغته الخاصة وإذاعتها وصحفها والمطالبة بحقوق الأقباط – كأمة – في الوظائف العامة والنص عليها في الدستور وإعلان التعداد الحقيقي للأقباط الذي كان في راي الجماعة يزيد عن سبعة مليون قبطي وتنظيم الأوقاف وتأمين الكهنوت ومشروع قانون الأحوال الشخصية فقام العداء بين رئيسهم الديني البابا حتى طلب إلى الحكومة حل الجماعة وشجع هذا تنفيذ أمر الحل الصادر في 24 مارس 1954 وأشارت العريضة التي رفعها وزير الداخلية إلى رئيس محكمة القاهرة أنها "وزعت مطبوعات ومنشورات تحاول إشاعة الفرقة بين عناصر الأمة وتحطيم الوحدة القومية ... وأنه ضبط أعضاؤها في 20/12/1952 يوزعون منشورات تزعم أن هناك ظلم وضير واضطهاد للأقباط وان هذا هو بسبب النص في الدستور القديم على أن الدين الرسمي للدولة الإسلام وسبب التفكير في مثل هذا النص الدستور الجيدي.
    كما ورد في طلب استصدار أمر الحل من المباحث العامة في 7/1/1954 أنه تم في 2/2/1953 ضبط بعض أعضائها بوزوعون منشورات بالكنيسة الإنجيلية بالقاهرة يوزعون منشورات تندد بحرمان الأقباط من تولي رئاسة الجمهوريةوالظائف العامة ورد هذا إلى ما يعانيه الأقباط من ظلم واضطهاد ... كما ضبطت أوراق قرر رئيس الجمعية أنها صورة من مذكرة أرسلت لرئيس الجمهورية وأعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء وأعضاء لجنة الدستور وأن الجماعة طبعت من هذه المذكرة 300 نسخة لتوزيعها على رجال الأكليروس والقسس في الكنائس وأعضاء المجالس الملية وكبار شخصيات الطائفة القبطية ليقفوا على حد قوله على مجهود الجماعة في هذا الميدان.
    وقد ورد في مذكرة الدستور التي صدرت في أول سبتمبر 1952 وكانت سبب طلب حل الجمعية أنه لابد من استئصال الداء من جذوره بالقضاء على جرثومة التفرقة التي أوجدتها تلك المادة البغيضة من الدستور القديم التي جعلت للدولة ديناً رسمياً ومكانت ولا تزال سبباً في ما يعانيه الأقباط من ظلم واضطهاد وحرمان وأن هذا التمييز يحمل في طياته أموراً خطيرة فهو إذا يحرم على القباط الترسيح لرئاسة الجمهورية وبالتالي حق تولي السلطات والوظائف العامة التي يمثل أصحابها رئيس الجمهورية وما يترتب على ذلك من حرمانهم من أغلب الحقوق في مختلف الميادين لإنما يقسم أبناء الوطن الواحد إلى طائفتين متباينتين طائفة المؤمنين الصالحين وهؤلاء يؤخذ منهم الحكام والقواد وطائفة العبيد المنبوذين وهؤلاء محل الطاعة والاستعباد.
    وبررت المذكرة دعوتها لإلغاء المادة بأنها تؤدي بالساسة إلى إثارة الشعور القومي عن طريق الدين فتختلط هذه الأمور على عامة الشعب ويعتقدون مثلاً أن الإنجليز أعداء الوطن لأنهم نصارى لا لأنهم محستعمرون غاصبون فتتحول فكرة الجهاد القومي إلى جهاد ديني ثم يتدرجون في اعتقادهم متسائلين وكيف يحق لنا أن نخرج لمحاربة الكفرة الإنجليز و في وسطنا مثلهم وينصرف ذلك الشعور الملتهب إلى داخل الصفوف وتفسد الحركة لصالح المستعمرين.
    وليس أدل على هذا مما حدث في مدينة السويس 4/1/1952 ذلك الحادث المشؤم حادث حرق كنيسة السويس الذي راح ضحيته عدد من الوطنين المخلصين في أبشع صور الهمجية الوحشية على يد إخوانهم المسلمين وعلى مرأى ومسمع من القوم المسئولين لا لذنب اقترفوه سوى أنهم من نفس دين المستعمرين ... إن الدستور يوضع لصالح المصريين جميعاً والنص فيه علىالإسلام معناه أن جميع المصريين مسلمون ومعنى هذا أيضاّ أحد أمرين إما عدم الاعتراف بوجود ملايين من الأقباط في مصر وإما اعتبار هؤلاء الأقباط أجانب في بلادهم وكلا الأمرين هو النكبة والبلاء.
    لن نستطيع في هذا المقام أن نعدد المصائب التي حلت بالأقباط والأضرار التي لحقت بهم من جراء تفسير المادة 149 من الدستور القديم وذلك من شتى أنواع التنكيل والاستبداد والاضطهاد والحرمان من اغلب الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها إخوانهم المسلمون.
    - فقد وضعت صعوبات وعراقيل وقوانين جائرة فيها الحد من حرية الأقباط في بناء كنائسهم وأن الأحكام التي صدرت في هذا الشأن لتسجل على بعض ولاة المر من المسلمين تعصبهم الممقوت وسوء نيتهم وتعسفهم في استعمال السلطة.
    - كما حرموا على الأقباط تحريما باتاً التمتع بحقهم في إذاعة بلادهم ةقد حدث في العهد الماضي أن بعض رجال الفكر والأدب طالبوا مشكورين بضرورة مجاملة الأقباط ولو في أعيادهم بغذاعة القداس لهم ليلة العيد فاستصدرت الجهات المسئولة عدة فتاوى مضحكة تقضي بعدم جواز ذلك تطبيقاص للدستور وأغرب ما جاء فيها أن قداس الكنيسة القبطية يقام باللغة القبطية فلاتصح إذاعته استناداً إلى أنه لا يجوز لمحطة الإذاعة الرسمية أن تذيع بلغات أجنبية أيأن اللغة القبطية وهي المصرية الصميمية لغة أجدادنا الفراعن الذين نفاخر بمجدهم بين دول العالم تعتبر في شرعهم لغة أجنبية على هذه البلاد.
    - وليس هذا فحسب بل بل إن العسف تعدى إلى العقيدة وهي الأمر المقدس فالقاضي في حالة تغيير الديانة ص.363 يقضي بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية تأسيساً منه على أن دين الدولة هو الإسلام مما هدد كيان الأسرة القبطية ومما يجعلنا نطالب بقوة وصراحة بضرورة النص على احترام شريعة العقد في حالة تغيير العقيدة
    - أما عن اضطهاد الأقباط في مختلف الميادين الحكومية وغيرها فلا سبيل لنا غلى حصرها فمن الحيلولة دون توليهم الوظائف الهامة في الإدارة والمصالح والوزارات والقضاء ..إلخ إلى الحد من اشتراكهم في البعثات أو دخولهم بعض الكليات مثل البوليس والحربية بل وحتى الشركات الأهلية فقد امتدت يد الاضطهاد لها لتملي على أصحابها إرادة الجهات المسئولة بصرف النظر عن الكفاءات الشخصية
    وفي حكم المحكمة الهسكرية العليا أن أعضاء الجماعة كانوا يقصدون"المقارنة بينهم وبين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على ما ورد في أقوال القمص عبد المسيح إبراهيم ميخائيل في التحقيقات"
    وكانت نتيجة هذه التجربة اتجاه جماعة الأمة القبطية إلى الانتشار في الوقت الحاضرفي العالم الخارجي الذي تعده (المهجر بالنسبة للشعب القبطي وخاصة كندا وأمريكا واستراليا وأوربا وخاصة فرنسا.
    عودة النزعة الطائفية بين الحين والحين في ظل أحزاب الأقلية
    لقد كان سعد زغلول اول وزير أقدم على تعيين نظار للمدارس الأميرية من الأقباط ولو سار غيره ممن جاء بعده على نهجه لما ظهرالحديث عن التفرقة الدينية ولكن يلاحظ بصفة عامة أن كل اعتداء على الدستور كان يقرن بإساءة معاملة القباط من أجل فضهم عن الوفد وإرضاء الكثرية المسلمة لتحويل النظر عن أعمال الوزارة الانقلابية السياسية فكانت التعليمات الشفوية ترسل إلى رؤساء الإدارات وإلى مديري الشركات الأهلية بالحد من تعيينات الأقباط وترقياتهم وإذا كان لا يمكن إثبات هذه التعليمات عملياً فمن الثابت أن حكومات الأقليات كانت تحاول استغلال الخلاف الديني بين الأقباط والمسلمين في إضعاف الوفد وإرضاء مصالح الاستعمارفي إيجاد التفرقة بين المسلمين والأقباط .. وقد دأبت جريدة مصر على نشر الأخبار حول اضطهاد طائفة الموظفين الأقباط في إدارة الأموال المقررة بوزارة المالية حيث أن لدى القائمين بالأمر في هذه الوزارة ولدى أعضاء لجنة الموظفين العليا سياسة تحملهم على التشيع لفريق دون لآخر واستمرت الصحيفة في حملاتها حتى توجه النائب الصحفي أحمد حافظ عوض بك صاحب كوكب الشرق بسؤال إلى وزير المالية فرد الوزير بالإحصائيات المدعمة أن ما تذكره الجريدة غير مطابق للحقيقة فلا يوجد في وزارة المالية ولا بين الوطنيين مسلمين وأقباطا فالجميع مصريون فقط
    الشروط العشرة في فبراير 34 في عهد وزارة عبدالفتاح يحي لبناء الكنائس وفي 15/ 3/ 1935 ظهرت مشكلة في الحركة القضائية بمناسبة عرضها على مجلس الوزراء لإقرلرها إذأظهر كامل إبراهيم وزير الزراعة امتعاضه وقال كنت أحب أن ألفت نظر زميلي سعادة أمين أنيس باشا وزير الحقانية إلى أنه هضم احد العنصرين في الحركة فثار وزير الحقانية وقال هذا رأي خاطئ وإن الوفديين اعترضوا على بعض الأسماء وها هو كامل بك يبدي اعتراضاً آخر أظن أنه لا حق له فيه وطرح موضوع استقالته
    في أبريل 1940 صدر قرار وزاري بمنع المدرسين القباط من تدريس اللغة العربية حتى وإن كانوا متخرجين من قسم اللغة العربية بكلية الآداب فدفعوا بعدد كبير منهم إلى التعطل وقدرت الوظائف المعلمين للمرحلة الابتدائية التي حرموا منها الأقباط 35 ألف وظيفة وأيضاً مدرسة صيارف الأموال التي تعدلت شروط القبول بها بعد أن أصبح عدد كبير من الملتحقين بالمدرسة من حملة البكالوريا ليقتصر القبول بها على حملة الشهادات الأزهرية فأصبحت المدرسة بهذا الوضع مقصورة على المسلمين واستمر الحال كما كان قبل الاستقلال من حيث قصر الوظائف الإدارية الكبرى على المسلمين كوظائف المديرين والمحافظين والمآمير ووكلاء الوزراء ومساعديهم.
    ويعلن القمص سرجيوس في مجلته المنارة المصرية في فبراير 1935 أنه ما كادت البلاد تخطو أول خطوة في حياتها الدستورية وظنت أنها قد أصبحت مستقلة حتى قلبت للأقباط ظهر المجن واعتبرتهم أقلية الأقليات ونظرت إليهم كأقلية خطرة ممقوتة يجب الخلاص منهم فوضع قانون وإن لم يعلن عنه بطرد الأقباط من مصالح الحكومة فلا يبقى منهم إلا نسبة عددهم كأقلية...وهم اللذين قدموا اليد إلى مواطنيهم يحملون فيها أرواحهم وأموالهم وأعراضهم يضحون بها على مذبح الوطنية منكرين أنهم أقلية وحرموا بذلك من حق حمايةالإنجليز لهم كأقلية فكان جزاؤهم الاحتقار والمعاملة الظالمة (المنار 10/6/ 1935 هل القباط يعتبرون من الأقليات؟)
    وتتساءل جريدة مصر في دهشة عام 1937 عن العدول عن تعيين حبيب حنين المصري مستشاراً ملكياً بأقسام قضايا الحكومة بعد أن قيل أن صعوبات قاكمت في وجه هذا التعيين وأن بعض الجهات اعترضت عليه لغير سبب معلوم واستبدال فخري عبد النور بمحمود فهمي باشا وتعيينه عصواً بمجلس الشيوخ وتساءلت مصر هل هي سياسة جديدة تتصل بمذهبهما وعنصرهما وقالت" أخذت بعض الصحف الماوالية للوزارة الحاضرة تثير من يوم لآخر في حملة عدائية ضد الأقباط كأنهم أتو امراً إداً في حق هذا الوطن أو كأنهم غرباء عن البلاد وليسوا من أبنائها الصميمين رأينا هذه الحملة العدائية وتتفاقم وتزداد حدة يوماص بعد يوم لا في الصحف وحدها بل وفي الأندية ومن فواق المنابر وإن محاولة الهدم تعمل ذات اليمين وذات اليسار للتفرقة بين عنصري المة ... هذا عدا نشرات بذيئة توزع جهاراً في المدن زالقرى للحض على كراهية الأقباط أو تجريح عواطفهم الدينية"
    يرد محمد محمود رئيس الوزراء 3/3/1983 إن الوزارة " وهي تحرص على تماسك عناصر الشعب ووحدة صفوفه وعلى بقاء التعاون والوئام بين الأقباط والمسلمين وثيقين في المستقبل كما كانا في الماضي وهي يقظة للقضاء على كل دعاية قد يشتم منها روح التفريق بينهما وهي مطمئنة إلى أنها ستحقق لبلاد ما هي جديرة به من تقدم وارتقاء"
    مارس 1950 صدر قرار بندب مدير مسلم للمتحف القبطي برغم مخالفة المرسوم بقانون 14 لسنة 1931 الخاص بإلحاق المتحف القبطي بأملاك الدولة العامة م 6 من المرسوم تقرر اختيار المدير من بين ثلاثة بختارهم البطريرك
    علق سرجيوس في المنارة لماذا لا يعين مدرس للغة العربية إلا من المسلمين واللغى ليست شيئاً في الدين بينما يعين مسلم مديرا للمتحف القبطي الذي يضم الذخائر الدينية والتراث القديم للأقباط.