يحي حقي : روح مصر وروح العصر
- Alkasd my other blog
كدت أن أقول وأنا أضحك " الله يجازيك يا عم يحي" بعد أن قرأت ماحكاه الأستاذ يحي حقي في كتابه "خليها على الله" عن الإسكندرانية فعلى الرغم من أنني لم أعرف الأستاذ يحي إلا على الورق لكنه من هذا النوع من الرجال الذي تأنس بكتاباته فتحس كأنه يكتب لك وحدك صديق يحادث صديقاً قديماً بأسلوبه الجميل الرشيق الذي يشبه الفتاة الحسناء المتواضعة الزينة والبهرج لأن لها من جمالها وحسنها ما يغنيها عن التصنع و التكلف فضلاً عن التبرج
وإذا كان وصف السهل الممتنع قد أصبح قالباً لغوياً استهلك من كثرة الاستعمال وصفاً لأسلوب العديد من الأدباء فإنني أراه حقاً يختص به الأستاذ حقي فهو يكلمك بلغة حياة تجمع بين النصاعة والروعة والسلاسة منتقياً أكثر مفرداته من العامي الفصيح الذي من كثرة تداوله نسي البعض أصله الفصيح.
وقد قرأت للعديد من الكتاب كنت كلما ازددت قراءة لفكرهم تذكرت القول المأثور تسمع بالمعيدي خير من أن تراه لكني مع الأستاذ يحي حقي كلما قرأت له ازددت له حباً واحتراماً وليس الأمر لمجرد جمال أسلوبه ومتعة القراءة له بل لأن الأستاذ يحي هو أحد أولئك "الكبار" الذين يفيضون حكمة تترقرق في انسياب فهو يريد أن يهبك إياها معتصراً خلاصة فكره وتجاربه دون أن يرى ذلك تفضلاً منه بل واجباً عليه حكمة دون ادعاء و لا التواء يظهر ذلك في وصفه لانطباعاته عن بلدان الريف المصري وهي انطباعات لا تصدر إلا عن شخص عايش أهل الريف وعجنه وخبزه كما يقولون ومع ذلك يعقب في تواضع جم بقوله إنه قد لا يكون مصيباً في أحكامه لأنه عاش في الريف لكنه لم يعايشه!
وتتجلى هذه الحكمة فيما يبرز من كتاباته من تحل بفضيلتين أجلهما أيما إجلال الصدق وخاصة الصدق مع النفس والوفاء فهاتان القيمتان ربما كانتا وراء إعجابي به باعتباره المعبر الأول عن الروح المصرية الصميم صحيح أن نجيب محفوظ كتب عن الحارة المصرية وكتب طه حسين عن نشأته الريفية لكني كلما سئلت عن الأديب الذي استطاع التعبير عن هذه الروح كنت أقول جازماً إنه يحي حقي بل إنه إذا كان الفقيد جمال حمدان قد أجلى ملامح وفصل دقائق شخصية مصر فإن حقي صاغ أدبه نفحات من روح مصر.
فقد عاش حقي في حواري السيدة زينب وغيره من أحياء القاهرة القديمة وتنقل في أرجاء الريف وكان كما حكى عن نفسه كلوفاً بمعرفة العادات والتقاليد الشعبية وحتى اصول أسماء الحواري والعطوف لكنه لم يفعل ذلك بروح الباحث في الفولكلور أو الإخباري الأنثروبولوجي ليتشدق بهذه المعرفة أمام نظرائه الغربيين هذه العوالم الشرقية العجيبة لتعيش فيها شخصيات قصصه هذه الغرابة التي تستهوي القارئ الغربي بل كان يفعل ذلك استكناهاً للذات وطلباً للأصول ومتواصلاً مع الجذور.
وعندما يكتب حقي عن الأنماط المختلفة من الشخصيات المصرية فهو لا يكتب بهذا الإعجاب النرجسي بالذات الذي يتغاضى عن المساوئ والسيئات ممجداً لجميل الطبائع والعادات بل كتب بشكل متوازن لكن ليس بحياد الباحث أو العالم المتجرد بافتراض وجود مثل هذا الباحث بل برؤية المحب الصادق يظهر هذا في تناوله لشخصية ابن البلد والعديد من نماذج الشخصيات المصرية مثل وكيل المحامي والموظف والفهلوي هذا الحب الذي جعل أدب يحي حقي مشغولاً بالإجابة عن سؤال الهوية فالأديب والمفكر الحق هو الذي يحيط بحاجات مجتمعه في هذه اللحظة المعينة من تطوره ويدرك روح العصر الذي يعيشه ويسعى للتعبير عن هذه الحاجات والتوفيق بين مقتضيات التعايش مع روح العصر السائدة وهو ما قام به حقي من خلال نهج عملي و لا أقول ذرائعي براجماتي هذا النهج العملي يعمل على تجديد الذات بالعودة إلى الأصول المكونة للذات والإجابة على التحديات التي يفرضها الاختلاف مع الآخر والاعتبار بتجربته الحضارية باعتبارها تضم قاسماً من المشترك الإنساني.
فالهوية ليست هذا المعطى الثابت مطلقاً بل هي جدل مستمر مع الواقع من أجل التطور والارتقاء فبرغم ما لهذه الكلمات من وقع سئ لدى البعض لارتباط فكرة التقدم بتصور البشرية تقطع خطاً صاعداً بقيادة الغرب الذي وصل أعلى نقطة على هذا الخط فإن حقي وعى أن الارتقاء لا يعني أن تكون الحداثة قيمة في ذاتها فيصبح التماس الحداثة وجباً حتى لو غاب عنها الطابع الإنساني بل عني حقي بالكيفية التي يمكن أن يحقق بها الإنسان إنسانيته في سياقه الحضاري (وهنا الحضارة العربية) ومن ثم التمس في التراث والتقاليد والأعراف كلها من
الأفكار والأساليب ما يحقق هذه الغاية فالمسألة أبعد من أن تكون قلقاً بين فن الشرق وعلم الغرب كما صور البعض.
والأهم أن يحي حقي عاش مثالاً لأفكاره دون تكلف و لا ادعاء وكان بحق خير رد على بعض الغلاة من دعاة المصرية الفرعونية فها هو يحي حقي التركي الأرومة معجون بالروح المصرية الصميم لغة وفكراً وثقافة بالمعنى الشامل للكلمة يسعى لتجديد الذات المصرية استجلاءاً واستيعاباً ونقداً وتحفيزاً رحم الله يحي حقي وجزاه عن أمته ما وهبها من عقل وفكر وحياة.
وإذا كان وصف السهل الممتنع قد أصبح قالباً لغوياً استهلك من كثرة الاستعمال وصفاً لأسلوب العديد من الأدباء فإنني أراه حقاً يختص به الأستاذ حقي فهو يكلمك بلغة حياة تجمع بين النصاعة والروعة والسلاسة منتقياً أكثر مفرداته من العامي الفصيح الذي من كثرة تداوله نسي البعض أصله الفصيح.
وقد قرأت للعديد من الكتاب كنت كلما ازددت قراءة لفكرهم تذكرت القول المأثور تسمع بالمعيدي خير من أن تراه لكني مع الأستاذ يحي حقي كلما قرأت له ازددت له حباً واحتراماً وليس الأمر لمجرد جمال أسلوبه ومتعة القراءة له بل لأن الأستاذ يحي هو أحد أولئك "الكبار" الذين يفيضون حكمة تترقرق في انسياب فهو يريد أن يهبك إياها معتصراً خلاصة فكره وتجاربه دون أن يرى ذلك تفضلاً منه بل واجباً عليه حكمة دون ادعاء و لا التواء يظهر ذلك في وصفه لانطباعاته عن بلدان الريف المصري وهي انطباعات لا تصدر إلا عن شخص عايش أهل الريف وعجنه وخبزه كما يقولون ومع ذلك يعقب في تواضع جم بقوله إنه قد لا يكون مصيباً في أحكامه لأنه عاش في الريف لكنه لم يعايشه!
وتتجلى هذه الحكمة فيما يبرز من كتاباته من تحل بفضيلتين أجلهما أيما إجلال الصدق وخاصة الصدق مع النفس والوفاء فهاتان القيمتان ربما كانتا وراء إعجابي به باعتباره المعبر الأول عن الروح المصرية الصميم صحيح أن نجيب محفوظ كتب عن الحارة المصرية وكتب طه حسين عن نشأته الريفية لكني كلما سئلت عن الأديب الذي استطاع التعبير عن هذه الروح كنت أقول جازماً إنه يحي حقي بل إنه إذا كان الفقيد جمال حمدان قد أجلى ملامح وفصل دقائق شخصية مصر فإن حقي صاغ أدبه نفحات من روح مصر.
فقد عاش حقي في حواري السيدة زينب وغيره من أحياء القاهرة القديمة وتنقل في أرجاء الريف وكان كما حكى عن نفسه كلوفاً بمعرفة العادات والتقاليد الشعبية وحتى اصول أسماء الحواري والعطوف لكنه لم يفعل ذلك بروح الباحث في الفولكلور أو الإخباري الأنثروبولوجي ليتشدق بهذه المعرفة أمام نظرائه الغربيين هذه العوالم الشرقية العجيبة لتعيش فيها شخصيات قصصه هذه الغرابة التي تستهوي القارئ الغربي بل كان يفعل ذلك استكناهاً للذات وطلباً للأصول ومتواصلاً مع الجذور.
وعندما يكتب حقي عن الأنماط المختلفة من الشخصيات المصرية فهو لا يكتب بهذا الإعجاب النرجسي بالذات الذي يتغاضى عن المساوئ والسيئات ممجداً لجميل الطبائع والعادات بل كتب بشكل متوازن لكن ليس بحياد الباحث أو العالم المتجرد بافتراض وجود مثل هذا الباحث بل برؤية المحب الصادق يظهر هذا في تناوله لشخصية ابن البلد والعديد من نماذج الشخصيات المصرية مثل وكيل المحامي والموظف والفهلوي هذا الحب الذي جعل أدب يحي حقي مشغولاً بالإجابة عن سؤال الهوية فالأديب والمفكر الحق هو الذي يحيط بحاجات مجتمعه في هذه اللحظة المعينة من تطوره ويدرك روح العصر الذي يعيشه ويسعى للتعبير عن هذه الحاجات والتوفيق بين مقتضيات التعايش مع روح العصر السائدة وهو ما قام به حقي من خلال نهج عملي و لا أقول ذرائعي براجماتي هذا النهج العملي يعمل على تجديد الذات بالعودة إلى الأصول المكونة للذات والإجابة على التحديات التي يفرضها الاختلاف مع الآخر والاعتبار بتجربته الحضارية باعتبارها تضم قاسماً من المشترك الإنساني.
فالهوية ليست هذا المعطى الثابت مطلقاً بل هي جدل مستمر مع الواقع من أجل التطور والارتقاء فبرغم ما لهذه الكلمات من وقع سئ لدى البعض لارتباط فكرة التقدم بتصور البشرية تقطع خطاً صاعداً بقيادة الغرب الذي وصل أعلى نقطة على هذا الخط فإن حقي وعى أن الارتقاء لا يعني أن تكون الحداثة قيمة في ذاتها فيصبح التماس الحداثة وجباً حتى لو غاب عنها الطابع الإنساني بل عني حقي بالكيفية التي يمكن أن يحقق بها الإنسان إنسانيته في سياقه الحضاري (وهنا الحضارة العربية) ومن ثم التمس في التراث والتقاليد والأعراف كلها من
الأفكار والأساليب ما يحقق هذه الغاية فالمسألة أبعد من أن تكون قلقاً بين فن الشرق وعلم الغرب كما صور البعض.
والأهم أن يحي حقي عاش مثالاً لأفكاره دون تكلف و لا ادعاء وكان بحق خير رد على بعض الغلاة من دعاة المصرية الفرعونية فها هو يحي حقي التركي الأرومة معجون بالروح المصرية الصميم لغة وفكراً وثقافة بالمعنى الشامل للكلمة يسعى لتجديد الذات المصرية استجلاءاً واستيعاباً ونقداً وتحفيزاً رحم الله يحي حقي وجزاه عن أمته ما وهبها من عقل وفكر وحياة.
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home