عمرانيات

مدونة تهتم بقضايا العمران الإنساني بالبحث والترجمة الزائر الكريم: تفضل بزيارة مدونتي الأخرى Mnzoor.blogspot.com Alkasd.blogspot.com

الأربعاء، نوفمبر ٢٨، ٢٠٠٧

قراءة أولية في مفهوم القوة في خطاب النظرية السياسة الغربية

  • Alkasd my other blog
  • إن القوة لله جميعاً
    قرآن كريم

    في كل عالم يوجد فيلسوف نائم إلا إنه متأهب للاستيقاظ لدى أول صدمة
    لويس التوسير

    في المدى القصير يتشكل العلم وفقاً للمعرفة والأفكار الموجودة فالمفاهيم العامة مثل الطبيعة والله والمعرفة والإنسان والمجتمع والتاريخ تحدد أي نوع من العلم - إن وجد –- سيُبتغَى وأي طرق ومناهج سيستخدم، وأي موضوعات ستبحث وأي نوع من النتائج يتوقع الحصول عليه.....وفي المدى البعيد قد تغير نتائج العلم المفاهيم العامة التي شكلت نمط بحثه.
    جون جرين
    العلم والأيديولوجيا ورؤية العالم.




    يختلف علماء السياسة في تحديدهم لما يعنونه بالنظرية السياسية وقد يرى البعض في ذلك تعبيراً عن الحالة البدائية لعلم السياسة بالنظر إلى أن تقدم أي علم إنما يقاس بتطور النظرية فيه بينما يعتبر آخرون هذا الاختلاف تعبيراً عن عدم تبلور منظار مهيمن داخل الحقل فلا يعدو الأمر وجود عدد من المناظير المتنافسة التي لا تزال قيد التشكل وأيما كان تفسير هذا الخلاف فإن تحليل أعمال المشتغلين بالنظرية السياسية يظهر أن أعمالهم تدور حول ثلاثة محاور رئيسة :
    1- النظرية السياسية باعتبارها تدبراً في اسس الوجود السياسي في كليته فتبحث النظرية السياسية في أسس الالتزام السياسي ومفهوم الجماعة السياسية والمبادئ السياسية التي تحكم التطور السياسي ( الحرية – المساواة ...) ويرتبط التدبر بمفهوم التدبير بما يتضمنه هذا الأخير من أبعاد حركية وقيمية والنظرية السياسية وفق هذه الرؤية لا يمكن أن تكون إلا عامة تنتظم كافة عناصر الوجود السياسي سواء الداخلي والخارجي والفردي والجماعي كما أنها لابد أن تكون مجردة فهي وإن استندت إلى التعميمات المبنية على الخبرة المباشرة فإنها تتجاوزها بحثاً عن التجريد الذي يسمح بإطلاقها عبر عنصري الزمان والمكان وهي إلى ذلك لابد أن تجمع بين عنصري القيم والوقائع فهي تجمع بين الفلسفة والعلم والأيديولوجيا وبحث طبيعة الوجود السياسي إنما هو لدراسة التطور السياسي من موقف لآخر
    ومن ثم تقتضي دراسة النظرية السياسية الجمع بين ثلاثة أقسام:
    قسم يبحث في المبادئ أو القيم التي تحدد غايات الحركة السياسية في هذا الانتقال وهي مبادئ مطلقة لا تتقيد بموقف معين وإن كانت تمثل الخلفية الفكرية والفلسفية التي تسيطر على التطور السياسي.
    وقسم وصفي تجريبي ويبحث في تحليل أبعاد ومقومات الموقف السياسي
    والقسم الثالث يربط هذين الجانبين باتخاذ حل لإنهاء حالة التعارض المتضمنة في أي موقف سياسي من خلال الإجابة على التساؤل كيف يمكن التوفيق بين غايات الموقف السياسي وغايات الوجود السياسي كما يتصورها الفاعل السياسي.
    2- النظرية السياسية باعتبارها خطاباً حول الخطاب النظري المتعلق بذلك الجسد من المعرفة الخاص بالثقافة السياسية ومصادر هذه المعرفة وإمكانها وعليه ييصبح الاهتمام بالعمليات المهجية الخاصة بالمنظزمة المعرفية السائدة (العلم) فيصبح من مباحثها الرئيسة ما الخريطة المعرفية السائدة وما موقع النظرية السياسية منها وقبل ذلك ما السياسي وما غير السياسي؟ وما حقيقة هذا الحقل وما منطلقاته بتحليل الخطاب الذي تتم فيه صياغة النظريات والمفاهيم ومعالجة القضايا الرئيسة.
    3- النظرية السياسية هي محور علم السياسة بغض النظر عن تحديد المفهوم المحوري لهذا العلم باعتباره الدولة أو السلطة أو القوة فالنظرية السياسية تستهدف الدراسة "العلمية" للظواهر السياسية تبدأ من تحديد العلاقات الارتباطية بين متغيرات الظاهرة السياسية من خلال الدراسات الاختبارية الإمبريقية التي تفسر الظواهر السياسية ويتم استخلاص هذه العلاقات من المشاهدة والملاحظة وصولاً إلى النظريات متوسطة المدى التي تسعى لتفسير جاب معين من جوانب الوجود السياسيس وصولاً غلى النظرية العامة أو النظرية الكلية الشاملة التي تسمح بإدراج جميع عناصر الظاهرة السياسة فيها فتضع القوانين العامة التي تجكم الظاهرة السياسة وتسد الثغرات بين النتظريات الوسيطة والفرعية والتي تعبر بكلمات إيستون عن الرض المشاع بين نظريات وحقول العلوم السياسية.
    والملاحظ أن هذه التحديدات الثلاثة لا تخلو بشكل او بآخر من افتراضين:
    سمو المعرفة العلمية على ما عداها برغم الجهود النقدية العديدة لتفنيد هذا الافتراض ومن أذيعها جهود كارل فييرآبند الذي فند سمو العلم سواء باعتبار منهجه أو باعتبار نتائجه على غيره من طرز المعرفة وأثبت جود مسلمات عقدية للعلم داعياً للاستفادة من كل طرائق المعرفة المتاحة للإبقاء على الطبيعة النقدية المميزة للعلم
    الافتراض الآخر تمثل صورة العلوم الطبيعية والسعي للنظرية العامة على منوالها بحيث تأخذ حركة تغير العلم شكل التقدم إلى الأمام من خلال الانتقال من العام إلى الأعم كما هو الحال في علم مثل علم الميكانيكا او الذرة.
    فالعلم في معناه المحدد الذي تطور في سياق الحضارة الغربية الحديثة Science ليس إلا تصوراً واحداً عدد من التصورات الممكنة للعلم وهذه الصورة ليست إلا نتاجاً لظروف معينة.
    وقد انعكست هذه الافتراضات على محاولات تعريف القوة وتحديد طبيعتها وصورها ومحاولات بناء نظرية عامة للقوة في النظرية الاجتماعية التي تضم مختلف الحقول.
    فهذه المحاولات كان هاجسها الأساسي اصطفاء تعريف معين للقوة وبلورته وشحذه كمفهوم وحيد يصلح للاستخدام في النظرية الاجتماعية دون غيره متغاضية عن الطبيعة المركبة للواقع الاجتماعي الذي جعل مفهوم القوة ذا طابع مزدوج كوجهي "جانوس" في ترفع عن تعددية الاستعمال اللغوي المعتاد لمفهوم القوة ومن ناحية أخرى أثراً للتعددية Multiplicity التي عرفها الفكر الغربي طيلة مسيرته على المستوى الوجودي الأنطولوجي والمعرفي معاً وفي ظل تحديد المعرفي لما هو أنطولوجي أصبح الخلاف حول تنظير مفهوم القوة حاداً وعميقاً لا لأنه مثير للجدل بطبيعته أو مفهوم متنازع عليه بل لغياب مبدأ معرفي ناظم Episteme مستقى من حقيقة وجودية يجعل ثمة أساس للتصنيف والتقييم
    ويمكن تلمس هذا من خلال استعراض عدد من الإشكاليات:
    مشكلة تحديد طبيعة القوة :كخصيصة لكيان ما أم ذات طابع علاقي بين الفاعلين الاجتماعيين:
    هذا الاستقطاب الثنائي في فهم طبيعة القوة ظل مسيطراً على الفكر الغربي والتنظير الاجتماعي حول القوة على الرغم من ان الاستعمال العادي لمفهوم القوة يتجاوزها بالجمع الجدلي بين الأمرين فأحياناً يجري الحديث عن القوة كشئ يعتقد الناس أنهم يمتلكونه، أو كجزء من سماتهم الطبيعية الخاصة، فعبارة مثل عبارة " القوة من أجل الشعب" توحي بأن القوة هي سمة إيجابية للحياة الاجتماعية مكانها الصحيح أنما هو في أيدي الشعب.
    ومن ناحية أخرى يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الطابع الاتصالي للقوة لدى الحديث عن قوة الطاغية الدكتاتور على عقول أتباعه وقدرته على تشويش الأحكام العقلية للناس العاديين والسيطرة عليهم. وهو ما تشير إليه المعاني المعجمية التي ترى القوة "قدرة على فعل أمر ما" فهي خصيصة لكائن معين ووفق هذا المعنى فإن الإنسان ليس الموجود الوحيد الذي يمكن نسبة القوة إليه فكل الموجودات لها نوع أو آخر من القوة، وفي الوقت نفسه تشير هذه المعاني إلى ان القوة تعني أيضاً "امتلاك قياد وتحكم في الآخرين: سيطرة ،حكم ،حكومة أمر ضبط نفوذ سلطة " في حين استمر المفكرون الاجتماعيون في رؤية القوة على أنها إما أحد خصائص الكائن الاجتماعي التي تمكنه من إنجاز شئ ما أو أنها" قوة على ... " فهي تتم في إطار علاقات اجتماعية ففي الاتجاه الأول الذي ينظر للقوة على أنها قوة لـ لـ لا يتضمن جانب العلاقات بل مجرد إنجازالمرء لشئ ما بنفسه وإن كان الأمر أحيانا يتضمن جانب العلاقات إذا كانت القوة لإنجاز عمل ما هي لإنجاز عمل اجتماعي او سياسي لكن جانب العلاقات ليس عنصراً جوهرياً في المفهوم وفق هذا الاتجاه بل لا ضرورة له.
    وقد كانت "حنا بكتين" من أوائل المنظرين الاجتماعيين القلائل الذي عنوا ببيان اختلاف هذين الاتجاهين في رؤية للقوة لكنها أخفقت في رؤية الصلة بينهما فعندما نقرر أن لفاعل اجتماعي قوة على ... فإننا نكون قد عزونا له قوة لـ...
    ومع ذلك فقد أدى استخلاص وتنقية ثم اصطفاء أحد مفاهيم القوة كمفهوم وحيد ملائم للاستخدام في إطار الظرية الاجتماعية "العلمية" العامة أدى لقصور مختلف هذه المفاهيم نظراً لتجاهلها السياقات الأخرى التي يستعمل مفهوم القوة فيها ومع ذلك كثيراً ما حاج العديد من المنظرين بأن منطلقهم وصياغتهم لمفهوم القوة هي الوحيدة لفهم أي استخدام للمفهوم بشكل عام كما فعل "جيمس مل" فكان هذا الإخفاق في الإقرار بالطبيعة المزدوجة لمفهوم القوة هو ما أدى الغياب الظاهر لأي أرضية مشتركة يمكن انطلاقاً منها التوصل لاتفاق حول طبيعة القوة .
    وضمن الاتجاه الأول في تعريف القوة كخصيصة للموجودات يأتي أفلاطون حيث جعل مفهوم القوة أساس رؤيته لعالم الغيب او ما وراء الطبيعة " الميتافيزيقا" فهي ترتبط بالتفرقة الميتافيزيقية بين الأعراض والجوهر فالقوة كقدرة على التأثير والانفعال هي أعراض للجوهر لكن ما يميز أفلاطون أنه رأى القوة قدرة على التأثير والتأثر في آن واحد فأحد علامات الكينونة هي القدرة على التفاعل مع الآخرين والقوة عنده هي الصفة الأساسية لـ "واجب الوجود " أو الموجود الأول ويلاحظ أن أفلاطون تحدث عن القوة بصيغة المفرد باعتبارها علامة على وجود الكائنات دون ان يتحدث عن قوى متمايزة يمكن إسنادها للموجودات . لكن أغلب المنظرين يرون أن استخدام القوة كقدرة فعالة هو أقل إثارة للخلط لذلك يميل المنظرون المحدثون المصنفين في هذا الاتجاه إلى قصر القوة على القدرة على إحداث تغيرات في الآخرين.
    فاستخدمه "لوك " في مؤلفه " مقالة في الفهم الإنساني" فرأى أنه أحد المفاهيم البسيطة المستقاة من الحس والانطباع فبملاحظة ذواتنا نجد أننا يمكننا تحريك أبعاضنا وبالمثل يمكن لأحد أجزاء الهيئة الاجتماعية أن يحرك بقية الجسد الطبيعي وبهذه الكيفية يمكن فهم القوة"
    وعلى الرغم من أن لوك كان اهتمامه ببيان كيفية تجريد الفكرة من الخبرة الحسية فإنه عبر بشكل صريح عن مفهومه للقوة عندما ميز بين القوة السلبية والقوة الإيجابية فالأولى هي قدرة على إنتاج التغيرات والثانية قدرة على تلقيها فالشمس لها قوة إيجابية (تذيب الجليد) والجليد له قوة سلبية بالانفعال بحرارة الشمس.
    واضح ان هذا الاستعمال لكلمة القوة يحمل معنى الطبع أي أنه يقرر أن ثمة قدرة لشئ على إحداث تغييرات في شئ آخر وبهذا الوصف يمكن التمييز بين حياز القدرة و خروجها لحيز الفعل فالقوة ليست متحققة دوماً بل تشير لقدرة استقلالاً عن تحقق هذه القدرة .
    يختلف لوك عن أفلاطون في تمييزه الصريح بين أنماط مختلفة من القوة تمتلكها الموجودات
    وضمن هذا الاتجاه هناك رؤية أخرى للقوة تقصرها على الكائن الاجتماعي أو الإنسان ومن ثم تعرفها على أنه قدرة إنسان على إحداث نتائج لصالحه وكان هوبز هو من أدخل هذا المفهوم للقوة إلى الخطاب الفلسفي والسياسي عندما قال " إن قوة إنسان - إذا أخذناه بصورة شاملة هي وسائله الحاضرة للحصول على خير مستقبلي " وواضح أنه يقصر القوة على الكائنات البشرية.
    ويكمن تميز تعريف " هوبز" للقوة في تاكيده لا على مسألة التأثير بل في نفعية نتائج استخدام القوة لصالح الأقوى فقدم مفهوما أكثر تحديداً للقوة يربطها بمصالح من يتمتع بها وضمن هذا الاتجاه يمكن تصنيف برتراند رسل ونيكوس بولانتزاس الذي يربط القوة بالطبقة الاجتماعية فهو يقصد بالقوة " قدرة طبقة اجتماعية معينة على تحقيق مصالح معينة لها"
    الاتجاه الاخر يرى القوة تعبيرا عن علاقة بين كائنين فهي تعني امتلاك قياد وتحكم في الآخرين: سيطرة ،حكم ،حكومة أمر ضبط نفوذ سلطة " وأحد الأمثلة على هذا الاستعمال للمفهوم ما رأه "جون ستيوارت مل " من أن قوة الرجل هي في استعداد الآخرين لطاعته" الفكرة الرئيسية في هذا الاستخدام للمفهوم تتضمن نمطًا معيناً للعلاقة بين البشرنمط تدرجي نظرا لقدرة شخص ما على التاثير على الأخرين دون قدرتهم على تبادل هذا التأثير.
    وفق هذا المفهوم فإن القوة هي " قوة على ... " فهي تتم في إطار علاقات ومن ثم تصبح مقصورة على الكائن الاجتماعي أي نوع خاص من الكائنات يمكن القول بأنه قد يتحكم أو يأمر الاخرين وضمن هذا الاتجاه يمكن تصنيف اسبنوزا ومورتون كابلان ولازويل وماكس فيبر وروبرت دال فاسنبنيوزا الذي يرتبط تعريفه للقوة برؤيته لعالم الغيب أو الميتافيزيقا قدرة على الوجود لا تتحقق إلا من خلال قدرة شخص ما على ضبط والتحكم في تصرفات وأفكار شخص آخر وبذلك أدخل المعنى العلائقي لمفهوم القوة للفلسفة السياسية وبالمثل رأى جيمس مل أن القوة هي ضمان التوافق بين رغبة رجل ما والأفراد الآخرين أما كابلان و لزويل فقد رأيا أن ما يميز القوة السياسية أنها تمارس من قبل كيان أو كائن اجتماعي على غيره كذا الحال بالنسبة لروبرت دال الذي يعرفها بانه قدرة أ على جعل ب أن يتصرف وفق ما يريده أ بحيث أنه لم يكن ليقوم بهذا لو لم تتم ممارسة القوة عليه .

    مشكلة القوة والشرعية
    وهي المشكلة التي أعبر عنها ماو تسي تونج بشكل حاد عندما أكد أن "الحق يخرج من فوهة البندقية " وهي مشكلة ترتبط بالمشكلة السابقة من حيث تصور الواقع الاجتماعي باعتباره يقوم على الصراع ومن ثم الإكراه والجبر وأشكال القوة التي تقوم على نوع أو آخر من الإلزام غير الطوعي أو تصور المجتمع والطبيعة البشرية باعتبارها تميل إلى التعاون والتكامل فمن يأخذ بالتصور الأول مثل داهرندروف يرى القوة محركاً للتطور البشري في حين ترى حنا أرنت " القوة جزء هام من من العالم الاجتماعي غالباً ما يتم إهمال إسهامها في تشغيل الحياة الاجتماعية وإدائها لوظائفها " وفي تفصيل هذه الرؤية تقول أرنت أن " كل المؤسسات السياسية هي تجليات وتجسدات مادية للقوة، فهي تتكلس وتتحلل عندما تكف القوة الحية للناس عن دفعها".
    وقد انعكس هذا حتى على تحديد معنى القوة فقد رأت حنا أرنت أن ثمة خطأ جوهري في بنية مفهوم القوة الاجتماعية بجعلها تعتمد بالأساس على عدم المساوة والهيمنة وتفترض أرنت أن القوةى في معناها الأصلي تصور رضائي أو طوعي Consensual Notion وتصورها هذا تصور يعتمد على اتفاق جماعة من الفاعلين الاجتماعيين على كيفية تنظيم ووضع قواعد لممارساتهم الحياتية المتعددة ومن ثم تكون القوة ها قوة اجتماعية إيجابية وترفض أن تشير القوة لبنى الهيمنة ومالعنف في المجتمع فالقوة عند أرنت –ضرورية لتحقيق التنسيق بين الأفراد لأداء هدف اجتماعي متفق عليه فهي ضرورية لأي هيكل تنظيمي إنساني ولابد أن تقوم على الاقتناع الحر من جانب الحكومين وبدون هذا الرضاء يصبح الكيان السياسي القائم هو اغتصاب و سلطة Authority وهو المعنى الذي يقترب منه تالكوت بارسونز في تعريفه للقوة كسلطة فهي عنده القدرة على الوصول إلى غايات معينة تحظى بالقبول العام من جانب المجتمع وهي قدرة على تجميع الطاقات وهو بذلك يفترض وجود توافق داخل المجتمع حول الأهداف المطلوب تحقيقها.
    وقد تاثر الفكر النسوي بمفهوم أرنت للقوة حيث رأت المنظرات النسويات أن نظرية القوة القائمنة تعكس خبرة ذكورية حيث تختزل النظريات المهيمنة القوة إلى عملية تنافس بين طرفين أو تحكم طرف في آخر وتهمل علاقة الانكشاف الموجودة في مرحلة الطفولة وممارسة الم للقوة بمنطق يختلف عن المنطق المفترض فعندما فكر المنظرون الذكور في القوة احترموا الرغبة في القتل و المخاطرة بالحياة فاحتفوا بماكيافللي الذي أعلن رجل السياسة الذي يعتمد في رسم صورته على المخاطرة والفوز والمنافسة كفكرة تجد جذورها في الرياضة والقتال في التراث اليوناني الروماني كما تم الاحتفاء بنتشة الذي مجد القوة المادية وأهان الضعف وفي هذا الإطار طرحت Harstock مفهوم القوة التحويلية حيث تمارس الم القوة على ابنها وتحولها له المرتبط بالخبرة الذكورية ورفضت مفهوم القوة على المرتبط بالخبرة الذكورية
    والحال أن الفكر الغربي يراوح بين اتجاهين :القوة مصدر الشرعية (بالمعنى العام وليس مجرد المعنى الفيبري الضيق) والاتجاه الآخر ان القوة لابد أن يكون مستندها هو الشرعية التي تفترض وجود منظومة واضحة لمفهوم الحق.
    فقد اعتبر السوفسطائيون القوانين الوضعية السائدة قد سنَّت لتحقيق أهداف واضعيها الأقوياء , ومن ثم يجب على الفرد العاقل أن يحاول تجنب العمل وفقها في حين رأى سقراط أن مصالح الأفراد لا بد من أن تتفق مع الصالح العام للمجموع, لأن الخير الفردي لا يمكن أن ينفصل عن الخير العام فكان أقرب للاتجاه الأول.
    أما شيشرون فقد وأرجع القوانين إلى التمييز المتأصل في طبيعة الإنسان بين الخير والشر. ومن ثم بدا أميل إلى اعتبار العقل مرجعاً أصلياً لمعرفة القانون الطبيعي ، رغم المسحة الميتافيزيقية التي يخلعها على هذا القانون وبذلك فصل الشرعية عن القوة .
    وقد استمرت فكرة القانون الطبيعي على مدى قرون سلاحاً لمقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والمساواة فالقانون الطبيعي بهذا الوصف ليس لأي حاكم أن يناقضه وهو يجعل البشر سواء فيما بينهم ويجعلهم مواطنين على نفس المستوى ويجب أن تخضع الدولة وتشريعاتها للقانون الطبيعي .
    أما هوبز فقد رأى أن الحاجة واستشعار القوة يحملان الفرد على الاستئثار بأكثر ما يستطيع الظفر به من خيرات الأرض وإن أعوزتهُ القوة المجردة لجأ إلى الحيلة، يشهد بذلك ما نعلمهُ عن أجدادنا البرابرة وعن المتوحشين وما نتخذه جميعاً من
    تدابير الحيطة وأساليب العدوان، وما نراه في علاقات الدول بعضها ببعض، ما تصنعه الحضارة تحجب العدوان بشعار (الأدب) وأن تحل النميمة والإفتراء محل، والقانون محل الانتقام.
    ويرى لوك إن للمحكومين أن يثوروا إذا ما سلبت السلطة الحقوق الطبيعية (الشرعية) وخصوصاً الحرية والملكية الفردية لكن استعمال حق المقاومة في نظره لا يهدف إلى تحقيق الأماني الشعبية بل إلى الدفاع عن النظام العام فنظرية لوك هنا مستمدة من مصادر محافظة حيث إن الاعتراف بحق المقاومة هو وسيلة لحمل الحاكم على التفكير وهي تسمح بإبعاد خطر الثورة الشعبية دون ان تشكل مطلقاً دعوة إلى العصيان.
    اما روسو فقد راى أن القوانين قد شرعت لتثبيت قوة الظالم على المظلوم، والناس يستطيعون تحقيق شيء من الحرية المدنية بدخولهم في تعاقد اجتماعي يجعل السيادة للمجتمع بأسره بحيث لا يجوز النزول عنها لأحد وقد رأى روسو عموماً أن " الرجال القوياء لا يبقون اقوياء طوال الوقت إنما يضغفون وإذا أراد هؤلاء القوياء أن يستمروا فإن عليهم الاعتماد على صور مختلفة من صور القوة وتطوير أسس جديدة لولاء المواطنين
    والقانون المعبر عن هذه السيادة هو ارادة الكل وتقر الكلي أي المنفعة العامة ولما كان الشعب لا يريد إلا المنفعة العامة فإن الإرادة الكلية مستقيمة دائماً ومن يأب الخضوع لها يرغمه المجتمع بأكمله. حاول روسو في (العقد الاجتماعي) أن يثبت إنهُ يستحيل في المجتمع الحر أن يحكم أي إنسان من قبل أي إنسان آخر، وكيف إن كل فرد هو في آن معاً رعيَّة ومواطنين، وإن السلطة الشرعية لابد أن تتبثق عن موافقة المحكومين، وإن السيادة تكمن في الإرادة العامة في اجتماع الأمة، وإن الذين يشغلون منصباً عاماً لا يؤدون مهامهم بمقتضى حقهم الخاص، أو حق موروث، وإنما بمقتضى سلطة أوكلتها إليهم، سلطة تمنح وتحاسب.