العنف : شره ما استتر
- Alkasd my other blog
"وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"
العنف ظاهرة قديمة قدم الوجود الإنساني فليس فرعون وحده الذي أراد إسكات صوت الحجة بالعنف المادي (القتل) فقبله – كما يحدثنا القرآن الكريم – كان ابنا آدم اللذان قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من الخاسرين بممارسته أعلى درجات العنف.
وعلى الرغم من أن الحروب التي ظهرت لاحقاً بين الجماعات المنظمة تمثل أولاً وآخراً عمل عنف- كما أشار فون كلوزفيتز – فإن الحرب لا تستهدف التدمير المادي الكامل للعدو ما أمكن بل كسر إرادته السياسية وعليه فإن العنف في حالة الحرب أبعد من مجرد الاستسلام لغريزة القتل والتدمير ويقتضي تصميم نظام الحرب جعل الجندي على مسافة من "ضحاياه" حتى لا يستسلم لغرائز القتل لديه بعبارة أخرى فإنه إذا كانت رهانات محددة بشكل صراعي بالنسبة للمقاتلين الميدانيين فإنها تبقى بالنسبة للقادة الاستراتيجيين تستهدف تدمير العدو كفاعل سياسي.
ويرتبط هذا برؤية الآخر هل هو جزء من المجتمع الإنساني يتمتع بحق الحياة ويمكن التعاون معه لتعديل سلوكه بما يتواءم مع القواعد الحاكمة لهذا المجتمع أم أنه "تهديد " لهذا المجتمع فلا يستحق إلا الاستئصال وهذا النوع من التفكير هو أعلى درجات العنصرية ويمكن التمثيل بألمانيا للحالة الأولى والبوسنة في الحالة الثانية .
وقد اتخذ الإسلام موقفاً مبدئياً مناهضاً للعنف فالحرب لا تقوم إلا لإسقاط كل ما يحول بين الناس وحريتهم في الاختيار أما الجهاد فهو مفهوم شامل يعني قيام المسلم ببذل ما في وسعه لإحقاق الحق ومنع البغي ودفع الظلم بكافة الوسائل الممكنة وهو أيضاً ليس عملا ظاهرياً خارجياً وحسب بل وعمل عقدي داخلي ليقوي الإنسان عزيمته ويصحح ذاته قصارى القول إن الجهاد وإن تضمن القتال في ساحات المعارك فإنه ليس بالضرورة مقصوراً عليه .
ولما كانت الحروب – على هذا النحو – مرتبطة بتحقيق أهداف الدعوة كانت الوصايا المتتالية بعدم اللجوء للعنف إلا في حالة الضرورة وأن يكون العنف في حده الأدنى وأن يقتصر القتال على المحاربين دون المدنيين وألا تلجأ القوات إلى إتلاف المزروعات أو تخريب المنشآت دونما ضرورة يقتضيها سير القتال.
وفي المقابل تنطوي الجماعات الإنسانية على أنواع ومستويات مختلفة من العنف فقد يشيع العنف في المجتمع إلى درجة لا يعود معها هذا المجتمع مستحقاً لهذه التسمية وهو ما يعرف بالعنف الفوضوي ويظهر هذا العنف عندما يفقد النظام المعياري في المجتمع كل وضوحه وفعاليته ومن ثم يفتقد نظام الحقوق والواجبات في المجتمع دقته فلا يعود الناس يعلمون بما هم ملزمون به وما الجزاء المترتب على مخالفتهم ولا يعرفون إلى من سيلجأون لاستنقاذ حقوقهم الخاصة حال اغتصابها ويرتبط هذا العنف الفوضوي (اللامركزي) بحدة التنازع بين قطاعات المجتمع حيث تشير الدراسات الحديثة إلى ارتباط هذا النمط من العنف بالنزاع بين الفلاحين والملاك في القطاع الزراعي "التقليدي" والانقسام بين الرأسماليين المحلين ورأس المال الأجنبي كما ينتج العنف الفوضوي عن انتشار العلاقات العدائية في القطاعات غير المنتظمة في المجتمع كمدن الصفيح والعشوائيات حيث يسود العديد من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الملتبسة نظراً لعدم وجود قواعد قانونية مستقرة.
وهنا تمثل استقلالية الشريعة الإسلامية سواء من حيث مصدريتها وقواعدها ضمانة من استشراء العنف في المجتمع الإسلامي فالشريعة الإسلامية ربانية المصدر (الوحي) ويستقل بتقنين قواعدها الجزئية العلماء الذين لا سلطان عليهم إلا لضمائرهم دون أن يشكلوا في مجموعهم فئة حاكمة لها مصالحها المتميزة.
ومن ناحية أخرى فإن الإنماء المتوازن والمعتمد على الذات يكفل الاستقرار والتوازن الاجتماعي الذي يحول دون انتشار العنف بين قطاعات الجماعة المسلمة.
وإذا كان من الممكن تحديد مفهوم العنف على النحو السابق باعتباره إرادة تسعى للهيمنة فإنه يمكن النظر لمفهوم العنف من خلال الأشكال التي يتخذها أو ذات العنف أو باعتبار موضوع العنف.
فبالنسبة للأشكال القائمة على ذات العنف فهناك العنف الاضطهادي وهو العنف الكامن في بنية العلاقات المستقرة في المجتمع حيث يصبح بمقدور جماعة معينة أن تضطهد وتستغل الجماعات الأخرى في المجتمع دونما ضوضاء ولكن في الوقت نفسه بكل فعالية وهو ما يعرفه البعض بالقهر الاجتماعي وفي حالة القهر هذه يظهر العنف ايضاً كمظهر نشط لعدوانية الإنسان المقهور حيث يواجه العنف الذي يفرضه عليه المستغل والمتسلط بشن الحرب على نظامه بشكل خفي فالمتسلط يسعى لقولبة الإنسان المقهور حتى يصبح أداة منتجة تخدم اغراضه ويقابل الإنسان المقهور هذا المسعى بالكسل فيضيع معظم طاقاته دون مردود.
ويذهب جان وليم لابيير إلى أن الحضارة الحديثة تشكلت من خلال استجابتها للعنف الاضطهادي فعملية التحديث والتصنيع في الدول الغربية ودول العالم الثالث أفرزت ما يدعى بالقضية الاجتماعية وأن كل الحلول التي صيغت لهذه القضية كانت انماطاً مختلفة من هذا العنف الاضطهادي.
ومن أمثلة هذا العنف الاضطهادي التناقض بين صاحب العمل والأجير فهو تناقض يفرضه هذا المجتمع الذي يأخذ كمسلمة أن صاحب العمل لابد وأن يسعى للحصول على أعلى جهد بأقل ثمن من العمل المستأجر دون أية اعتبارات أخرى تخل بهذا المسعى العقلاني لآن مجال هذه العلاقة بين صاحب العمل والعامل - أياً كانت طبيعة عمله يدوياً أو فكرياً- منفصل عن مجالات الحياة الأخرى للحصول على أعلى إنتاجية وهو هدف يحقق مصلحة المؤسسة والمجتمع ككل وفي المقابل فإن العمل المستأجر يتمتع بحق الامتناع عن العمل والإضراب إلا إن فعالية ممارسة هذا الحق تبقى محدودة بطراز الحكم والتحكم في المجتمع ككل بعبارة أخرى هو إمكانية قلما تخرج إلى إطار الفعل.
ونتيجة لهذا العنف تبدأ القوى الاجتماعية المضارة منه بممارسة أنواع مختلفة من العنف الفظ المباشر والذي يؤدي في حالة نجاحه وتحوله إلى ثورة إلى صعود هذه القوى إلى السلطة .
أما على المستوى الفردي فيتخذ العنف ضد المجتمع شكل السلوك الجانح الذي يتجسد في تصرفات بعض الأشخاص الخارجين على القانون ويعد هذا السلوك مؤشراً على مقدار العدوانية الكامنة في شبكة العلاقات الاجتماعية ودلالة على ميل ميزان العدالة في المجتمع لصالح فئة معينة بفعل استئثارها بأكبر قدر من موارده و"قيمه" الاقتصادية والسياسية بما يعنيه ذلك من إسباغ الشرعية على هذا الاستئثار وتنظيمه باسم هذا القانون.
وإلى جانب هذين النوعين من العنف هناك العنف المذهبي الذي يمارس ضد الآخر المختلف فكريا بما يؤهله لوصفه بالإرهاب.
وفي الخبرة الإسلامية أدت وحدة المعتقد والواجب الذي يفرضه الدين على كل مسملم بالاجتهاد لفهم أحكامه إلى حماية وحدة الأمة والحيلولة دون اندثارها حتى في اشد العصور تقهقراً وتخلفاً بفعل التعصب المذهبي وما يقترن به من عنف وإرهاب ربما ينتهي إلى إصابة الإنسان في جسمه سواء بالتعذيب أو السجن أو القتل أو الإبادة المنظمة والترحيل الإجباري.
ويلاحظ أن هذه الأشكال من العنف (التعذيب- القتل -...) كانت هي المتقدمة تاريخياً على الأشكال الأخرى منه وأنها وإن كانت وسائل مادية فإنها تستهدف نتائج غير مادية حيث كانت السلطات تلجأ لهذه الوسائل مثلاً لإرجاع الناس عن معتقداتهم ولكن هذا العنف المادي يبدو بالنظر إلى أهدافه ونتائجه عنفاً سلبياً بحتاً إذ تقتصر نتائجه على استئصال فكرة أو سلوك معين دون القدرة على خلق فكر او سلوك بديل.
أما العنف المعنوي فهو يخطو خطوة أبعد بطموحه للحصول على انتماء الفرد العميق حيث ادى التطور التقني إلى استحداث أشكال جديدة من العنف كغسل الدماغ وخداع الأفكار والضغوط التي تقود إلى الاغتراب والحد من الحريات وهذه الأشكال وإن كانت الأقل بروزة فإنها الأكثر خطورة بقدر ما تحصر سلوكيات الفرد وقيمه وتطلعاته داخل قنوات محددة بل ويدفعه إلى الاعتقاد بأنه يمارس حريته في الوقت الذي يكون فيه مهاناً.
وتتعدد الوسائل المستخدمة في العنف المعنوي فهناك قوة الشخصية ومهابتها (الكارزما) التي تتأسس على ادعاء نسب معين أو استخدام أساليب معينة في مخاطبة الجماهير باستغلال الإمكانات التي تتيحها وسائل الإعلام الجماهيرية ويمكن اعتبار التأطيرالمنظم وسيلة أخرى من وسائل ممارسة العنف المعنوي إذ إن اندماج الأفراد في منظمات عديدة لها قواعدها التنظيمية الحاسمة وأطرها الفكرية الصارمة يفرض عليهم ضبطاً فكرياً وسلوكياً ينتهي بشكل أو بآخر إلى الحد من حرية إرادة الفرد وبتعدد المنظمات التي ينتمي إليها الفرد فإنه يجد نفسه أسيراً لهذه المنظمات وقد تجرد من كل أجزاء الإرادة وعندما يبلغ الفرد هذه المرحلة فإنه يصبح تأكيداً إنساناً مستسلماً ومؤهلاً لتقبل مختلف أشكال التأثير التي تصبها فيه هذه المنظمات دونما أن يملك القدرة على مواجهتها طالما أن إرادته تفرقت لصالح هذه المنظمات وتجد هذه الظاهرة تعبيرها النفسي فيما يسمى بقلق الهوية.
العنف ظاهرة قديمة قدم الوجود الإنساني فليس فرعون وحده الذي أراد إسكات صوت الحجة بالعنف المادي (القتل) فقبله – كما يحدثنا القرآن الكريم – كان ابنا آدم اللذان قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من الخاسرين بممارسته أعلى درجات العنف.
وعلى الرغم من أن الحروب التي ظهرت لاحقاً بين الجماعات المنظمة تمثل أولاً وآخراً عمل عنف- كما أشار فون كلوزفيتز – فإن الحرب لا تستهدف التدمير المادي الكامل للعدو ما أمكن بل كسر إرادته السياسية وعليه فإن العنف في حالة الحرب أبعد من مجرد الاستسلام لغريزة القتل والتدمير ويقتضي تصميم نظام الحرب جعل الجندي على مسافة من "ضحاياه" حتى لا يستسلم لغرائز القتل لديه بعبارة أخرى فإنه إذا كانت رهانات محددة بشكل صراعي بالنسبة للمقاتلين الميدانيين فإنها تبقى بالنسبة للقادة الاستراتيجيين تستهدف تدمير العدو كفاعل سياسي.
ويرتبط هذا برؤية الآخر هل هو جزء من المجتمع الإنساني يتمتع بحق الحياة ويمكن التعاون معه لتعديل سلوكه بما يتواءم مع القواعد الحاكمة لهذا المجتمع أم أنه "تهديد " لهذا المجتمع فلا يستحق إلا الاستئصال وهذا النوع من التفكير هو أعلى درجات العنصرية ويمكن التمثيل بألمانيا للحالة الأولى والبوسنة في الحالة الثانية .
وقد اتخذ الإسلام موقفاً مبدئياً مناهضاً للعنف فالحرب لا تقوم إلا لإسقاط كل ما يحول بين الناس وحريتهم في الاختيار أما الجهاد فهو مفهوم شامل يعني قيام المسلم ببذل ما في وسعه لإحقاق الحق ومنع البغي ودفع الظلم بكافة الوسائل الممكنة وهو أيضاً ليس عملا ظاهرياً خارجياً وحسب بل وعمل عقدي داخلي ليقوي الإنسان عزيمته ويصحح ذاته قصارى القول إن الجهاد وإن تضمن القتال في ساحات المعارك فإنه ليس بالضرورة مقصوراً عليه .
ولما كانت الحروب – على هذا النحو – مرتبطة بتحقيق أهداف الدعوة كانت الوصايا المتتالية بعدم اللجوء للعنف إلا في حالة الضرورة وأن يكون العنف في حده الأدنى وأن يقتصر القتال على المحاربين دون المدنيين وألا تلجأ القوات إلى إتلاف المزروعات أو تخريب المنشآت دونما ضرورة يقتضيها سير القتال.
وفي المقابل تنطوي الجماعات الإنسانية على أنواع ومستويات مختلفة من العنف فقد يشيع العنف في المجتمع إلى درجة لا يعود معها هذا المجتمع مستحقاً لهذه التسمية وهو ما يعرف بالعنف الفوضوي ويظهر هذا العنف عندما يفقد النظام المعياري في المجتمع كل وضوحه وفعاليته ومن ثم يفتقد نظام الحقوق والواجبات في المجتمع دقته فلا يعود الناس يعلمون بما هم ملزمون به وما الجزاء المترتب على مخالفتهم ولا يعرفون إلى من سيلجأون لاستنقاذ حقوقهم الخاصة حال اغتصابها ويرتبط هذا العنف الفوضوي (اللامركزي) بحدة التنازع بين قطاعات المجتمع حيث تشير الدراسات الحديثة إلى ارتباط هذا النمط من العنف بالنزاع بين الفلاحين والملاك في القطاع الزراعي "التقليدي" والانقسام بين الرأسماليين المحلين ورأس المال الأجنبي كما ينتج العنف الفوضوي عن انتشار العلاقات العدائية في القطاعات غير المنتظمة في المجتمع كمدن الصفيح والعشوائيات حيث يسود العديد من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الملتبسة نظراً لعدم وجود قواعد قانونية مستقرة.
وهنا تمثل استقلالية الشريعة الإسلامية سواء من حيث مصدريتها وقواعدها ضمانة من استشراء العنف في المجتمع الإسلامي فالشريعة الإسلامية ربانية المصدر (الوحي) ويستقل بتقنين قواعدها الجزئية العلماء الذين لا سلطان عليهم إلا لضمائرهم دون أن يشكلوا في مجموعهم فئة حاكمة لها مصالحها المتميزة.
ومن ناحية أخرى فإن الإنماء المتوازن والمعتمد على الذات يكفل الاستقرار والتوازن الاجتماعي الذي يحول دون انتشار العنف بين قطاعات الجماعة المسلمة.
وإذا كان من الممكن تحديد مفهوم العنف على النحو السابق باعتباره إرادة تسعى للهيمنة فإنه يمكن النظر لمفهوم العنف من خلال الأشكال التي يتخذها أو ذات العنف أو باعتبار موضوع العنف.
فبالنسبة للأشكال القائمة على ذات العنف فهناك العنف الاضطهادي وهو العنف الكامن في بنية العلاقات المستقرة في المجتمع حيث يصبح بمقدور جماعة معينة أن تضطهد وتستغل الجماعات الأخرى في المجتمع دونما ضوضاء ولكن في الوقت نفسه بكل فعالية وهو ما يعرفه البعض بالقهر الاجتماعي وفي حالة القهر هذه يظهر العنف ايضاً كمظهر نشط لعدوانية الإنسان المقهور حيث يواجه العنف الذي يفرضه عليه المستغل والمتسلط بشن الحرب على نظامه بشكل خفي فالمتسلط يسعى لقولبة الإنسان المقهور حتى يصبح أداة منتجة تخدم اغراضه ويقابل الإنسان المقهور هذا المسعى بالكسل فيضيع معظم طاقاته دون مردود.
ويذهب جان وليم لابيير إلى أن الحضارة الحديثة تشكلت من خلال استجابتها للعنف الاضطهادي فعملية التحديث والتصنيع في الدول الغربية ودول العالم الثالث أفرزت ما يدعى بالقضية الاجتماعية وأن كل الحلول التي صيغت لهذه القضية كانت انماطاً مختلفة من هذا العنف الاضطهادي.
ومن أمثلة هذا العنف الاضطهادي التناقض بين صاحب العمل والأجير فهو تناقض يفرضه هذا المجتمع الذي يأخذ كمسلمة أن صاحب العمل لابد وأن يسعى للحصول على أعلى جهد بأقل ثمن من العمل المستأجر دون أية اعتبارات أخرى تخل بهذا المسعى العقلاني لآن مجال هذه العلاقة بين صاحب العمل والعامل - أياً كانت طبيعة عمله يدوياً أو فكرياً- منفصل عن مجالات الحياة الأخرى للحصول على أعلى إنتاجية وهو هدف يحقق مصلحة المؤسسة والمجتمع ككل وفي المقابل فإن العمل المستأجر يتمتع بحق الامتناع عن العمل والإضراب إلا إن فعالية ممارسة هذا الحق تبقى محدودة بطراز الحكم والتحكم في المجتمع ككل بعبارة أخرى هو إمكانية قلما تخرج إلى إطار الفعل.
ونتيجة لهذا العنف تبدأ القوى الاجتماعية المضارة منه بممارسة أنواع مختلفة من العنف الفظ المباشر والذي يؤدي في حالة نجاحه وتحوله إلى ثورة إلى صعود هذه القوى إلى السلطة .
أما على المستوى الفردي فيتخذ العنف ضد المجتمع شكل السلوك الجانح الذي يتجسد في تصرفات بعض الأشخاص الخارجين على القانون ويعد هذا السلوك مؤشراً على مقدار العدوانية الكامنة في شبكة العلاقات الاجتماعية ودلالة على ميل ميزان العدالة في المجتمع لصالح فئة معينة بفعل استئثارها بأكبر قدر من موارده و"قيمه" الاقتصادية والسياسية بما يعنيه ذلك من إسباغ الشرعية على هذا الاستئثار وتنظيمه باسم هذا القانون.
وإلى جانب هذين النوعين من العنف هناك العنف المذهبي الذي يمارس ضد الآخر المختلف فكريا بما يؤهله لوصفه بالإرهاب.
وفي الخبرة الإسلامية أدت وحدة المعتقد والواجب الذي يفرضه الدين على كل مسملم بالاجتهاد لفهم أحكامه إلى حماية وحدة الأمة والحيلولة دون اندثارها حتى في اشد العصور تقهقراً وتخلفاً بفعل التعصب المذهبي وما يقترن به من عنف وإرهاب ربما ينتهي إلى إصابة الإنسان في جسمه سواء بالتعذيب أو السجن أو القتل أو الإبادة المنظمة والترحيل الإجباري.
ويلاحظ أن هذه الأشكال من العنف (التعذيب- القتل -...) كانت هي المتقدمة تاريخياً على الأشكال الأخرى منه وأنها وإن كانت وسائل مادية فإنها تستهدف نتائج غير مادية حيث كانت السلطات تلجأ لهذه الوسائل مثلاً لإرجاع الناس عن معتقداتهم ولكن هذا العنف المادي يبدو بالنظر إلى أهدافه ونتائجه عنفاً سلبياً بحتاً إذ تقتصر نتائجه على استئصال فكرة أو سلوك معين دون القدرة على خلق فكر او سلوك بديل.
أما العنف المعنوي فهو يخطو خطوة أبعد بطموحه للحصول على انتماء الفرد العميق حيث ادى التطور التقني إلى استحداث أشكال جديدة من العنف كغسل الدماغ وخداع الأفكار والضغوط التي تقود إلى الاغتراب والحد من الحريات وهذه الأشكال وإن كانت الأقل بروزة فإنها الأكثر خطورة بقدر ما تحصر سلوكيات الفرد وقيمه وتطلعاته داخل قنوات محددة بل ويدفعه إلى الاعتقاد بأنه يمارس حريته في الوقت الذي يكون فيه مهاناً.
وتتعدد الوسائل المستخدمة في العنف المعنوي فهناك قوة الشخصية ومهابتها (الكارزما) التي تتأسس على ادعاء نسب معين أو استخدام أساليب معينة في مخاطبة الجماهير باستغلال الإمكانات التي تتيحها وسائل الإعلام الجماهيرية ويمكن اعتبار التأطيرالمنظم وسيلة أخرى من وسائل ممارسة العنف المعنوي إذ إن اندماج الأفراد في منظمات عديدة لها قواعدها التنظيمية الحاسمة وأطرها الفكرية الصارمة يفرض عليهم ضبطاً فكرياً وسلوكياً ينتهي بشكل أو بآخر إلى الحد من حرية إرادة الفرد وبتعدد المنظمات التي ينتمي إليها الفرد فإنه يجد نفسه أسيراً لهذه المنظمات وقد تجرد من كل أجزاء الإرادة وعندما يبلغ الفرد هذه المرحلة فإنه يصبح تأكيداً إنساناً مستسلماً ومؤهلاً لتقبل مختلف أشكال التأثير التي تصبها فيه هذه المنظمات دونما أن يملك القدرة على مواجهتها طالما أن إرادته تفرقت لصالح هذه المنظمات وتجد هذه الظاهرة تعبيرها النفسي فيما يسمى بقلق الهوية.
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home